منتديات قرية الطريبيل
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات قرية الطريبيل

إسلامي - علمي - تربوي - ثقافي- مناسبات - منوعات
 
الرئيسيةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 رسالة الإمام الهادي (ع) في الرد على أهل الجبر والتفويض

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الإدارة
عضو ذهبي ممتاز
عضو ذهبي ممتاز
الإدارة


الجنس : ذكر
عدد الرسائل : 6362
تاريخ التسجيل : 08/05/2008

رسالة الإمام الهادي (ع) في الرد على أهل الجبر والتفويض Empty
مُساهمةموضوع: رسالة الإمام الهادي (ع) في الرد على أهل الجبر والتفويض   رسالة الإمام الهادي (ع) في الرد على أهل الجبر والتفويض Emptyالخميس يناير 31, 2013 1:22 pm


رسالة الإمام الهادي (ع) في الرد على أهل الجبر والتفويض

من علي بن محمد سلام عليكم وعلى من اتبع الهدى ورحمة الله وبركاته فإنه ورد علي كتابكم وفهمت ما ذكرتم من اختلافكم في دينكم وخوضكم في القدر ومقالة من يقول منكم بالجبر ومن يقول بالتفويض وتفرقكم في ذلك وتقاطعكم وما ظهر من العداوة بينكم ثم سألتموني عنه وبيانه لكم وفهمت ذلك كله اعلموا رحمكم الله أنا نظرنا في الآثار وكثرة ما جاءت به الأخبار فوجدناها عند جميع من ينتحل الإسلام


ممن يعقل عن الله جل وعز لا تخلو من معنيين إما حق فيتبع وإما باطل فيجتنب وقد اجتمعت الأمة قاطبة لا اختلاف بينهم أن القرآن حق لا ريب فيه عند جميع أهل الفرق وفي حال اجتماعهم مقرون بتصديق الكتاب وتحقيقه مصيبون مهتدون وذلك بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا تجتمع أمتي على ضلالة فأخبر أن جميع ما اجتمعت عليه الأمة كلها حق هذا إذا لم يخالف بعضها بعضا والقرآن حق لا اختلاف بينهم في تنزيله وتصديقه فإذا شهد القرآن بتصديق خبر وتحقيقه وأنكر الخبر طائفة من الأمة لزمهم الإقرار به ضرورة حين اجتمعت في الأصل على تصديق الكتاب فإن هي جحدت وأنكرت لزمها الخروج من الملة فأول خبر يعرف تحقيقه من الكتاب وتصديقه والتماس شهادته عليه خبر ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووجد بموافقة الكتاب وتصديقه بحيث لا تخالفه أقاويلهم حيث قال إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن تضلوا ما تمسكتم بهما وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فلما وجدنا شواهد هذا الحديث في كتاب الله نصا مثل قوله جل وعز إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ والَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ وهُمْ راكِعُونَ ومَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ والَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ وروت العامة في ذلك أخبارا لأمير المؤمنين (عليه السلام) أنه تصدق بخاتمه وهو راكع فشكر الله ذلك له وأنزل الآية فيه فوجدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أتى بقوله من كنت مولاه فعلي مولاه وبقوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ووجدناه يقول علي يقضي ديني وينجز موعدي وهو خليفتي عليكم من بعدي فالخبر الأول الذي استنبطت منه هذه الأخبار خبر صحيح مجمع عليه لا اختلاف فيه عندهم وهو أيضا موافق للكتاب فلما شهد الكتاب بتصديق الخبر وهذه الشواهد الأخر لزم على الأمة الإقرار بها ضرورة إذ كانت هذه الأخبار شواهدها من القرآن ناطقة ووافقت القرآن والقرآن وافقها ثم وردت حقائق الأخبار من رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الصادقين (عليه السلام) ونقلها قوم ثقات معروفون فصار الاقتداء بهذه الأخبار فرضا واجبا على كل مؤمن ومؤمنة لا يتعداه إلا أهل العناد وذلك أن أقاويل آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) متصلة بقول الله وذلك مثل قوله في محكم كتابه إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا والْآخِرَةِ وأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً ووجدنا نظير هذه الآية قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) من آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن ينتقم منه وكذلك قوله (صلى الله عليه وآله) من أحب عليا فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ومثل قوله (صلى الله عليه وآله) في بني وليعة لأبعثن إليهم رجلا كنفسي يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قم يا علي فسر إليهم وقوله (صلى الله عليه وآله) يوم خيبر لأبعثن إليهم غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار لا يرجع
حتى يفتح الله عليه فقضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالفتح قبل التوجيه فاستشرف لكلامه أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما كان من الغد دعا عليا (عليه السلام) فبعثه إليهم فاصطفاه بهذه المنقبة وسماه كرارا غير فرار فسماه الله محبا لله ولرسوله فأخبر أن الله ورسوله يحبانه وإنما قدمنا هذا الشرح والبيان دليلا على ما أردنا وقوة لما نحن مبينوه من أمر الجبر والتفويض والمنزلة بين المنزلتين وبالله العون والقوة وعليه نتوكل في جميع أمورنا فإنا نبدأ من ذلك بقول الصادق (عليه السلام) لا جبر ولا تفويض ولكن منزلة بين المنزلتين وهي صحة الخلقة وتخلية السرب والمهلة في الوقت والزاد مثل الراحلة والسبب المهيج للفاعل على فعله فهذه خمسة أشياء جمع به الصادق (عليه السلام) جوامع الفضل فإذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنه مطروحا بحسبه فأخبر الصادق (عليه السلام) بأصل ما يجب على الناس من طلب معرفته ونطق الكتاب بتصديقه فشهد بذلك محكمات آيات رسوله لأن الرسول (صلى الله عليه وآله) وآله (عليه السلام) لا يعدون شيئا من قوله وأقاويلهم حدود القرآن فإذا وردت حقائق الأخبار والتمست شواهدها من التنزيل فوجد لها موافقا وعليها دليلا كان الاقتداء بها فرضا لا يتعداه إلا أهل العناد كما ذكرنا في أول الكتاب ولما التمسنا تحقيق ما قاله الصادق (عليه السلام) من المنزلة بين المنزلتين وإنكاره الجبر والتفويض وجدنا الكتاب قد شهد له وصدق مقالته في هذا وخبر عنه أيضا موافق لهذا أن الصادق (عليه السلام) سئل هل أجبر الله العباد على المعاصي فقال الصادق (عليه السلام) هو أعدل من ذلك فقيل له فهل فوض إليهم فقال (عليه السلام) هو أعز وأقهر لهم من ذلك وروي عنه أنه قال الناس في القدر على ثلاثة أوجه رجل يزعم أن الأمر مفوض إليه فقد وهن الله في سلطانه فهو هالك ورجل يزعم أن الله جل وعز أجبر العباد على المعاصي وكلفهم ما لا يطيقون فقد ظلم الله في حكمه فهو هالك ورجل يزعم أن الله كلف العباد ما يطيقون ولم يكلفهم ما لا يطيقون فإذا أحسن حمد الله وإذا أساء استغفر الله فهذا مسلم بالغ فأخبر (عليه السلام) أن من تقلد الجبر والتفويض ودان بهما فهو على خلاف الحق فقد شرحت الجبر الذي من دان به يلزمه الخطأ وأن الذي يتقلد التفويض يلزمه الباطل فصارت المنزلة بين المنزلتين بينهما ثم قال (عليه السلام) وأضرب لكل باب من هذه الأبواب مثلا يقرب المعنى للطالب ويسهل له البحث عن شرحه تشهد به محكمات آيات الكتاب وتحقق تصديقه عند ذوي الألباب وبالله التوفيق والعصمة فأما الجبر الذي يلزم من دان به الخطأ فهو قول من زعم أن الله جل وعز أجبر العباد على المعاصي وعاقبهم عليها ومن قال بهذا القول فقد ظلم الله في حكمه وكذبه ورد عليه قوله ولا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً وقوله ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ وقوله إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً ولكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ مع آي كثيرة في ذكر هذا فمن زعم أنه مجبر على المعاصي فقد أحال بذنبه على الله وقد ظلمه في عقوبته ومن ظلم الله فقد كذب كتابه ومن كذب كتابه فقد لزمه الكفر باجتماع الأمة ومثل ذلك مثل رجل ملك عبدا مملوكا لا يملك نفسه ولا يملك عرضا من عرض الدنيا ويعلم مولاه ذلك منه فأمره على علم منه بالمصير إلى السوق لحاجة يأتيه بها ولم يملكه ثمن ما يأتيه به من حاجته وعلم المالك أن على الحاجة رقيبا لا يطمع أحد في أخذها منه إلا بما يرضى به من الثمن وقد وصف مالك هذا العبد نفسه بالعدل والنصفة وإظهار الحكمة ونفي الجور وأوعد عبده إن لم يأته بحاجته أن يعاقبه على علم منه بالرقيب الذي على حاجته أنه سيمنعه وعلم أن المملوك لا يملك ثمنها ولم يملكه ذلك فلما صار العبد إلى السوق وجاء ليأخذ حاجته التي بعثه المولى لها وجد عليها مانعا يمنع منها إلا بشراء وليس يملك العبد ثمنها فانصرف إلى مولاه
خائبا بغير قضاء حاجته فاغتاظ مولاه من ذلك وعاقبه عليه أ ليس يجب في عدله وحكمه أن لا يعاقبه وهو يعلم أن عبده لا يملك عرضا من عروض الدنيا ولم يملكه ثمن حاجته فإن عاقبه عاقبه ظالما متعديا عليه مبطلا لما وصف من عدله وحكمته ونصفته وإن لم يعاقبه كذب نفسه في وعيده إياه حين أوعده بالكذب والظلم اللذين ينفيان العدل والحكمة تعالى عما يقولون علوا كبيرا فمن دان بالجبر أو بما يدعو إلى الجبر فقد ظلم الله ونسبه إلى الجور والعدوان إذ أوجب على من أجبره العقوبة ومن زعم أن الله أجبر العباد فقد أوجب على قياس قوله إن الله يدفع عنهم العقوبة ومن زعم أن الله يدفع عن أهل المعاصي العذاب فقد كذب الله في وعيده حيث يقول بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ وقوله إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً وقوله إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً مع آي كثيرة في هذا الفن ممن كذب وعيد الله ويلزمه في تكذيبه آية من كتاب الله الكفر وهو ممن قال الله أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ويَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ ومَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ بل نقول إن الله جل وعز جازى العباد على أعمالهم ويعاقبهم على أفعالهم بالاستطاعة التي ملكهم إياها فأمرهم ونهاهم بذلك ونطق كتابه مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ومَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وهُمْ لا يُظْلَمُونَ وقال جل ذكره يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً ويُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وقال الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ فهذه آيات محكمات تنفي الجبر ومن دان به ومثلها في القرآن كثير اختصرنا ذلك لئلا يطول الكتاب وبالله التوفيق وأما التفويض الذي أبطله الصادق (عليه السلام) وأخطأ من دان به وتقلده فهو قول القائل إن الله جل ذكره فوض إلى العباد اختيار أمره ونهيه وأهملهم وفي هذا كلام دقيق لمن يذهب إلى تحريره ودقته وإلى هذا ذهبت الأئمة المهتدية من عترة الرسول (صلى الله عليه وآله) فإنهم قالوا لو فوض إليهم على جهة الإهمال لكان لازما له رضا ما اختاروه واستوجبوا منه الثواب ولم يكن عليهم فيما جنوه العقاب إذا كان الإهمال واقعا وتنصرف هذه المقالة على معنيين إما أن يكون العباد تظاهروا عليه فألزموه قبول اختيارهم بآرائهم ضرورة كره ذلك أم أحب فقد لزمه الوهن أو يكون جل وعز عجز عن تعبدهم بالأمر والنهي على إرادته كرهوا أو أحبوا ففوض أمره ونهيه إليهم وأجراهما على محبتهم إذ عجز عن تعبدهم بإرادته فجعل الاختيار إليهم في الكفر والإيمان ومثل ذلك مثل رجل ملك عبدا ابتاعه ليخدمه ويعرف له فضل ولايته ويقف عند أمره ونهيه وادعى مالك العبد أنه قاهر عزيز حكيم فأمر عبده ونهاه ووعده على اتباع أمره عظيم الثواب وأوعده على معصيته أليم العقاب فخالف العبد إرادة مالكه ولم يقف عند أمره ونهيه فأي أمر أمره أو أي نهي نهاه عنه لم يأته على إرادة المولى بل كان العبد يتبع إرادة نفسه واتباع هواه ولا يطيق المولى أن يرده إلى اتباع أمره ونهيه والوقوف على إرادته ففوض اختيار أمره ونهيه إليه ورضي منه بكل ما فعله على إرادة العبد لا على إرادة المالك وبعثه في بعض حوائجه وسمى له الحاجة فخالف على مولاه وقصد لإرادة نفسه واتبع هواه فلما رجع إلى مولاه نظر إلى ما أتاه به فإذا هو خلاف ما أمره به فقال له لم أتيتني بخلاف ما أمرتك فقال العبد اتكلت على تفويضك الأمر إلي فاتبعت هواي وإرادتي لأن المفوض إليه غير محظور عليه فاستحال التفويض

أ وليس يجب على هذا السبب إما أن يكون المالك للعبد قادرا يأمر عبده باتباع أمره ونهيه على إرادته لا على إرادة العبد ويملكه من الطاقة بقدر ما يأمره به وينهاه عنه فإذا أمره بأمر ونهاه عن نهي عرفه الثواب والعقاب عليهما وحذره ورغبه بصفة ثوابه وعقابه ليعرف العبد قدرة مولاه بما ملكه من الطاقة لأمره ونهيه وترغيبه وترهيبه فيكون عدله وإنصافه شاملا له وحجته واضحة عليه للإعذار والإنذار فإذا اتبع العبد أمر مولاه جازاه وإذا لم يزدجر عن نهيه عاقبه أو يكون عاجزا غير قادر ففوض أمره إليه أحسن أم أساء أطاع أم عصى عاجز عن عقوبته ورده إلى اتباع أمره وفي إثبات العجز نفي القدرة والتأله وإبطال الأمر والنهي والثواب والعقاب ومخالفة الكتاب إذ يقول ولا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وقوله عز وجل اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إِلَّا وأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وقوله وما خَلَقْتُ الْجِنَّ والْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ وقوله اعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وقوله أَطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ ولا تَوَلَّوْا عَنْهُ وأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ فمن زعم أن الله تعالى فوض أمره ونهيه إلى عباده فقد أثبت عليه العجز وأوجب عليه قبول كل ما عملوا من خير وشر وأبطل أمر الله ونهيه ووعده ووعيده لعلة ما زعم أن الله فوضها إليه لأن المفوض إليه يعمل بمشيئته فإن شاء الكفر أو الإيمان كان غير مردود عليه ولا محظور فمن دان بالتفويض على هذا المعنى فقد أبطل جميع ما ذكرنا من وعده ووعيده وأمره ونهيه وهو من أهل هذه الآية أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ويَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ ومَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ تعالى الله عما يدين به أهل التفويض علوا كبيرا لكن نقول إن الله جل وعز خلق الخلق بقدرته وملكهم استطاعة تعبدهم بها فأمرهم ونهاهم بما أراد فقبل منهم اتباع أمره ورضي بذلك لهم ونهاهم عن معصيته وذم من عصاه وعاقبه عليها ولله الخيرة في الأمر والنهي يختار ما يريد ويأمر به وينهى عما يكره ويعاقب عليه بالاستطاعة التي ملكها عباده لاتباع أمره واجتناب معاصيه لأنه ظاهر العدل والنصفة والحكمة البالغة بالغ الحجة بالإعذار والإنذار وإليه الصفوة يصطفي من عباده من يشاء لتبليغ رسالته واحتجاجه على عباده اصطفى محمدا (صلى الله عليه وآله) وبعثه برسالاته إلى خلقه فقال من قال من كفار قومه حسدا واستكبارا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ يعني بذلك أمية بن أبي الصلت وأبا مسعود الثقفي فأبطل الله اختيارهم ولم يجز لهم آراءهم حيث يقول أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ورَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا ورَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ولذلك اختار من الأمور ما أحب ونهى عما كره فمن أطاعه أثابه ومن عصاه عاقبه ولو فوض اختيار أمره إلى عباده لأجاز لقريش اختيار أمية بن أبي الصلت وأبي مسعود الثقفي إذ كانا عندهم أفضل من محمد (صلى الله عليه وآله) فلما أدب الله المؤمنين بقوله وما كانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ ورَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ فلم يجز لهم الاختيار بأهوائهم ولم يقبل منهم إلا اتباع أمره واجتناب نهيه على يدي من اصطفاه فمن أطاعه رشد ومن عصاه ضل وغوى ولزمته الحجة بما ملكه من الاستطاعة لاتباع أمره واجتناب نهيه فمن أجل ذلك حرمه ثوابه وأنزل به عقابه وهذا القول بين القولين ليس بجبر ولا تفويض وبذلك أخبر أمير المؤمنين (صلى الله عليه وآله) عباية بن ربعي الأسدي حين سأله عن الاستطاعة التي بها يقوم ويقعد ويفعل
فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) سألت عن الاستطاعة تملكها من دون الله أو مع الله فسكت عباية فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) قل يا عباية قال وما أقول قال (عليه السلام) إن قلت إنك تملكها مع الله قتلتك وإن قلت تملكها دون الله قتلتك قال عباية فما أقول يا أمير المؤمنين قال (عليه السلام) تقول إنك تملكها بالله الذي يملكها من دونك فإن يملكها إياك كان ذلك من عطائه وإن يسلبكها كان ذلك من بلائه هو المالك لما ملكك والقادر على ما عليه أقدرك أ ما سمعت الناس يسألون الحول والقوة حين يقولون لا حول ولا قوة إلا بالله قال عباية وما تأويلها يا أمير المؤمنين قال (عليه السلام) لا حول عن معاصي الله إلا بعصمة الله ولا قوة لنا على طاعة الله إلا بعون الله قال فوثب عباية فقبل يديه ورجليه وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حين أتاه نجدة يسأله عن معرفة الله قال يا أمير المؤمنين بما ذا عرفت ربك قال (عليه السلام) بالتمييز الذي خولني والعقل الذي دلني قال أ فمجبول أنت عليه قال لو كنت مجبولا ما كنت محمودا على إحسان ولا مذموما على إساءة وكان المحسن أولى باللائمة من المسي‏ء فعلمت أن الله قائم باق وما دونه حدث حائل زائل وليس القديم الباقي كالحدث الزائل قال نجدة أجدك أصبحت حكيما يا أمير المؤمنين قال أصبحت مخيرا فإن أتيت السيئة بمكان الحسنة فأنا المعاقب عليها وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال لرجل سأله بعد انصرافه من الشام فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا عن خروجنا إلى الشام بقضاء وقدر قال (عليه السلام) نعم يا شيخ ما علوتم تلعة ولا هبطتم واديا إلا بقضاء وقدر من الله فقال الشيخ عند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين فقال (عليه السلام) مه يا شيخ فإن الله قد عظم أجركم في مسيركم وأنتم سائرون وفي مقامكم وأنتم مقيمون وفي انصرافكم وأنتم منصرفون ولم تكونوا في شي‏ء من أموركم مكرهين ولا إليه مضطرين لعلك ظننت أنه قضاء حتم وقدر لازم لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب ولسقط الوعد والوعيد ولما ألزمت الأشياء أهلها على الحقائق ذلك مقالة عبدة الأوثان وأولياء الشيطان إن الله جل وعز أمر تخييرا ونهى تحذيرا ولم يطع مكرها ولم يعص مغلوبا ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار فقام الشيخ فقبل رأس أمير المؤمنين (عليه السلام) وأنشأ يقول.
أنت الإمام الذي نرجو بطاعته يوم النجاة من الرحمن غفراناأوضحت من ديننا ما كان ملتبسا جزاك ربك عنا فيه رضوانافليس معذرة في فعل فاحشة قد كنت راكبها ظلما وعصيانا
فقد دل أمير المؤمنين (عليه السلام) على موافقة الكتاب ونفي الجبر والتفويض اللذين يلزمان من دان بهما وتقلدهما الباطل والكفر وتكذيب الكتاب ونعوذ بالله من الضلالة والكفر ولسنا ندين بجبر ولا تفويض لكنا نقول بمنزلة بين المنزلتين وهو الامتحان والاختبار بالاستطاعة التي ملكنا الله وتعبدنا بها على ما شهد به الكتاب ودان به الأئمة الأبرار من آل الرسول (صلى الله عليه وآله) ومثل الاختبار بالاستطاعة مثل رجل ملك عبدا وملك مالا كثيرا أحب أن يختبر عبده على علم منه بما يئول إليه فملكه من ماله بعض ما أحب ووقفه على أمور عرفها العبد فأمره أن يصرف ذلك المال فيها ونهاه عن أسباب لم يحبها وتقدم إليه أن يجتنبها ولا ينفق من ماله فيها والمال يتصرف في أي الوجهين فصرف المال أحدهما في اتباع أمر المولى ورضاه والآخر صرفه في اتباع نهيه وسخطه وأسكنه دار اختبار أعلمه أنه غير دائم له السكنى في الدار وأن له دارا غيرها وهو مخرجه إليها فيها ثواب وعقاب دائمان فإن أنفذ العبد المال الذي ملكه مولاه في الوجه الذي أمره به جعل له ذلك الثواب الدائم في تلك الدار التي أعلمه أنه مخرجه إليها وإن أنفق المال في الوجه الذي نهاه عن إنفاقه فيه جعل له ذلك العقاب الدائم في دار الخلود وقد حد المولى في ذلك حدا معروفا وهو المسكن الذي أسكنه في الدار الأولى فإذا بلغ الحد استبدل المولى بالمال وبالعبد على أنه لم يزل مالكا للمال والعبد في الأوقات كلها إلا أنه وعد أن لا يسلبه ذلك المال ما كان في تلك الدار الأولى إلى أن يستتم سكناه فيها
فوفى له لأن من صفات المولى العدل والوفاء والنصفة والحكمة أ وليس يجب إن كان ذلك العبد صرف ذلك المال في الوجه المأمور به أن يفي له بما وعده من الثواب وتفضل عليه بأن استعمله في دار فانية وأثابه على طاعته فيها نعيما دائما في دار باقية دائمة وإن صرف العبد المال الذي ملكه مولاه أيام سكناه تلك الدار الأولى في الوجه المنهي عنه وخالف أمر مولاه كذلك تجب عليه العقوبة الدائمة التي حذره إياها غير ظالم له لما تقدم إليه وأعلمه وعرفه وأوجب له الوفاء بوعده ووعيده بذلك يوصف القادر القاهر وأما المولى فهو الله جل وعز وأما العبد فهو ابن آدم المخلوق والمال قدرة الله الواسعة ومحنته إظهاره الحكمة والقدرة والدار الفانية هي الدنيا وبعض المال الذي ملكه مولاه هو الاستطاعة التي ملك ابن آدم والأمور التي أمر الله بصرف المال إليها هو الاستطاعة لاتباع الأنبياء والإقرار بما أوردوه عن الله جل وعز واجتناب الأسباب التي نهى عنها هي طرق إبليس وأما وعده فالنعيم الدائم وهي الجنة وأما الدار الفانية فهي الدنيا وأما الدار الأخرى فهي الدار الباقية وهي الآخرة والقول بين الجبر والتفويض هو الاختبار والامتحان والبلوى بالاستطاعة التي ملك العبد وشرحها في الخمسة الأمثال التي ذكرها الصادق (عليه السلام) أنها جمعت جوامع الفضل وأنا مفسرها بشواهد من القرآن والبيان إن شاء الله تفسير صحة الخلقة أما قول الصادق (عليه السلام) فإن معناه كمال الخلق للإنسان وكمال الحواس وثبات العقل والتمييز وإطلاق اللسان بالنطق وذلك قول الله ولَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ والْبَحْرِ ورَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا فقد أخبر عز وجل عن تفضيله بني آدم على سائر خلقه من البهائم والسباع ودواب البحر والطير وكل ذي حركة تدركه حواس بني آدم بتمييز العقل والنطق وذلك قوله لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ وقوله يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ وفي آيات كثيرة فأول نعمة الله على الإنسان صحة عقله وتفضيله على كثير من خلقه بكمال العقل وتمييز البيان وذلك أن كل ذي حركة على بسيط الأرض هو قائم بنفسه بحواسه مستكمل في ذاته ففضل بني آدم بالنطق الذي ليس في غيره من الخلق المدرك بالحواس فمن أجل النطق ملك الله ابن آدم غيره من الخلق حتى صار آمرا ناهيا وغيره مسخر له كما قال الله كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وقال وهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وقال والْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْ‏ءٌ ومَنافِعُ ومِنْها تَأْكُلُونَ ولَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وحِينَ تَسْرَحُونَ وتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ فمن أجل ذلك دعا الله الإنسان إلى اتباع أمره وإلى طاعته بتفضيله إياه باستواء الخلق وكمال النطق والمعرفة بعد أن ملكهم استطاعة ما كان تعبدهم به بقوله فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ واسْمَعُوا وأَطِيعُوا وقوله لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وقوله لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها وفي آيات كثيرة فإذا سلب من العبد حاسة من حواسه رفع العمل عنه بحاسته كقوله لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ ولا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ الآية فقد رفع عن كل من كان بهذه الصفة الجهاد وجميع الأعمال التي لا يقوم بها وكذلك أوجب على ذي اليسار الحج والزكاة لما ملكه من استطاعة ذلك ولم يوجب على الفقير الزكاة والحج قوله ولِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وقوله
في الظهار والَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ إلى قوله فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً كل ذلك دليل على أن الله تبارك وتعالى لم يكلف عباده إلا ما ملكهم استطاعته بقوة العمل به ونهاهم عن مثل ذلك فهذه صحة الخلقة وأما قوله تخلية السرب فهو الذي ليس عليه رقيب يحظر عليه ويمنعه العمل بما أمره الله به وذلك قوله فيمن استضعف وحظر عليه العمل فلم يجد حيلة ولا يهتدي سبيلا كما قال الله تعالى إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ والْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً ولا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فأخبر أن المستضعف لم يخل سربه وليس عليه من القول شي‏ء إذا كان مطمئن القلب بالإيمان وأما المهلة في الوقت فهو العمر الذي يمتع الإنسان من حد ما تجب عليه المعرفة إلى أجل الوقت وذلك من وقت تمييزه وبلوغ الحلم إلى أن يأتيه أجله فمن مات على طلب الحق ولم يدرك كماله فهو على خير وذلك قوله ومَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ ورَسُولِهِ الآية وإن كان لم يعمل بكمال شرائعه لعلة ما لم يمهله في الوقت إلى استتمام أمره وقد حظر على البالغ ما لم يحظر على الطفل إذا لم يبلغ الحلم في قوله وقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ الآية فلم يجعل عليهن حرجا في إبداء الزينة للطفل وكذلك لا تجري عليه الأحكام وأما قوله الزاد فمعناه الجدة والبلغة التي يستعين بها العبد على ما أمره الله به وذلك قوله ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ الآية أ لا ترى أنه قبل عذر من لم يجد ما ينفق وألزم الحجة كل من أمكنته البلغة والراحلة للحج والجهاد وأشباه ذلك وكذلك قبل عذر الفقراء وأوجب لهم حقا في مال الأغنياء بقوله لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الآية فأمر بإعفائهم ولم يكلفهم الإعداد لما لا يستطيعون ولا يملكون وأما قوله في السبب المهيج فهو النية التي هي داعية الإنسان إلى جميع الأفعال وحاستها القلب فمن فعل فعلا وكان بدين لم يعقد قلبه على ذلك لم يقبل الله منه عملا إلا بصدق النية ولذلك أخبر عن المنافقين بقوله يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ واللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ ثم أنزل على نبيه (صلى الله عليه وآله) توبيخا للمؤمنين يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ الآية فإذا قال الرجل قولا واعتقد في قوله دعته النية إلى تصديق القول بإظهار الفعل وإذا لم يعتقد القول لم تتبين حقيقته وقد أجاز الله صدق النية وإن كان الفعل غير موافق لها لعلة مانع يمنع إظهار الفعل في قوله إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وقوله لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ فدل القرآن وأخبار الرسول (صلى الله عليه وآله) أن القلب مالك لجميع الحواس يصحح أفعالها ولا يبطل ما يصحح القلب شيئا فهذا شرح جميع الخمسة الأمثال التي ذكرها الصادق (عليه السلام) أنها تجمع المنزلة بين المنزلتين وهما الجبر والتفويض فإذا اجتمع في الإنسان كمال هذه الخمسة الأمثال وجب عليه العمل كملا لما أمر الله عز وجل به ورسوله وإذا نقص العبد منها خلة كان العمل عنها مطروحا بحسب ذلك
فأما شواهد القرآن على الاختبار والبلوى بالاستطاعة التي تجمع القول بين القولين فكثيرة ومن ذلك قوله لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ والصَّابِرِينَ ونَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ وقال سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وقال الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ وقال في الفتن التي معناها الاختبار ولَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ الآية وقال في قصة موسى (عليه السلام) فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ وقول موسى إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ أي اختبارك فهذه الآيات يقاس بعضها ببعض ويشهد بعضها لبعض وأما آيات البلوى بمعنى الاختبار قوله لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ وقوله ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وقوله إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ وقوله خَلَقَ الْمَوْتَ والْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وقوله وإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ وقوله ولَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ ولكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وكل ما في القرآن من بلوى هذه الآيات التي شرح أولها فهي اختبار وأمثالها في القرآن كثيرة فهي إثبات الاختبار والبلوى إن الله جل وعز لم يخلق الخلق عبثا ولا أهملهم سدى ولا أظهر حكمته لعبا وبذلك أخبر في قوله أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً فإن قال قائل فلم يعلم الله ما يكون من العباد حتى اختبرهم قلنا بلى قد علم ما يكون منهم قبل كونه وذلك قوله ولَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وإنما اختبرهم ليعلمهم عدله ولا يعذبهم إلا بحجة بعد الفعل وقد أخبر بقوله ولَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا وقوله وما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا وقوله رُسُلًا مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ فالاختبار من الله بالاستطاعة التي ملكها عبده وهو القول بين الجبر والتفويض وبهذا نطق القرآن وجرت الأخبار عن الأئمة من آل الرسول (صلى الله عليه وآله) فإن قالوا ما الحجة في قول الله يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ وما أشبهها قيل مجاز هذه الآيات كلها على معنيين أما أحدهما فإخبار عن قدرته أي إنه قادر على هداية من يشاء وضلال من يشاء وإذا أجبرهم بقدرته على أحدهما لم يجب لهم ثواب ولا عليهم عقاب على نحو ما شرحنا في الكتاب والمعنى الآخر أن الهداية منه تعريفه كقوله وأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ أي عرفناهم فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فلو أجبرهم على الهدى لم يقدروا أن يضلوا وليس كلما وردت آية مشتبهة كانت الآية حجة على محكم الآيات اللواتي أمرنا بالأخذ بها من ذلك قوله مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وما يَعْلَمُ الآية وقال فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أي أحكمه وأشرحه أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ وفقنا الله وإياكم إلى القول والعمل لما يحب ويرضى وجنبنا وإياكم معاصيه بمنه وفضله والحمد لله كثيرا كما هو أهله وصلى الله على محمد وآله الطيبين وحسبنا الله ونعم الوكيل








من كتاب تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://turaibel.mam9.com
 
رسالة الإمام الهادي (ع) في الرد على أهل الجبر والتفويض
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات قرية الطريبيل :: الاقـسـام الاسـلامـيـة :: منتدى أهل البيت عليهم السلام :: منتدى الامام علي الهادي عليه السلام-
انتقل الى: