منتديات قرية الطريبيل
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات قرية الطريبيل

إسلامي - علمي - تربوي - ثقافي- مناسبات - منوعات
 
الرئيسيةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الكذب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الإدارة
عضو ذهبي ممتاز
عضو ذهبي ممتاز
الإدارة


الجنس : ذكر
عدد الرسائل : 6362
تاريخ التسجيل : 08/05/2008

الكذب Empty
مُساهمةموضوع: الكذب   الكذب Emptyالأربعاء سبتمبر 28, 2011 6:34 am


الكذب


لا يختلف اثنان من صحاح الفطرة على قبح الكذب الذاتيّ، ولا على ذمّ الكذّاب من الناس، ولا يختلفان أيضاً على أثره المسيئ على النفس الإنسانيّة وعلى سائر الناس.
فكم من كذبة فصمت ودّ أخ عن أخيه، وكم من كلمة نميمة ولّدت حرباً، أو خصومة لم تنتهِ.
ولخطورة هذا الأمر، وما يتضمّنه من أذيّة للنفس أوّلاً وللآخرين ثانياً، سنسلّط الضوء عليه سائلين الله تعالى أن يعصمنا من الزلل والخطأ.

كذب أم أكاذيب؟
المعروف بين الناس بالكذب هو الكذب في القول وعدم الوفاء، حيث يضمّ إلى الكذب أيضاً، إلّا أنّ علماء الأخلاق عدّدوا مراتب أخرى للكذب، لا تقلّ خطورة عن الكذب المشهور بين الناس، إذ يقول العلّامة النراقي قدّس الله نفسه الزكيّة:
"الكذب وهو: أمّا في القول، أي الإخبار عن الأشياء على خلاف ما هي عليه، وصدوره إمّا عن العداوة أو الحسد أو الغضب، فيكون من رذائل قوّة الغضب، أو من حبّ المال والطمع، أو الاعتياد الحاصل


من مخالطة أهل الكذب، فيكون من رذائل قوّة الشهوة.
أو في النيّة والإرادة، وهو عدم تمحيضها بالله، بألّا يكون الله سبحانه بانفراده باعث طاعاته وحركاته، بل يمازجه شيء من حظوظ النفس. وهذا يرجع إلى الرياء، ويأتي كونه من رذائل أيّ قوّة. وأمّا في العزم، أي الجزم على الخير، وذلك بأن يعزم على شيء من الخيرات والقربات، ويكون في عزمه نوع ميل وضعف وتردّد يضادّ الصدق في العزيمة، وهذا أيضاً من رداءة قوّة الشهوة.
وأمّا في الوفاء بالعزم، فإنّ النفس قد تسخو بالعزم في الحال، لعدم مشقّة في الوعد، فإذا حقّت الحقائق، وحصل التمكّن، وهاجت الشهوات، انحلّت العزيمة، ولم يتّفق الوفاء بالعزم، وهذا أيضاً من رذائل قوّة الشهوة ومن أنواع الشره.
وأمّا في الأعمال، وهو أن تدلّ أعماله الظاهرة على أمرٍ في باطنه لا يتّصف هو به، أي لا يكون باطنه مثل ظاهره ولا خيراً منه. وهذا غير الرياء، لأنّ المرائي هو الذي يقصد غير الله تعالى في أعماله، وربّ واقف على هيئة الخشوع في صلاته، ليس بقصد به مشاهدة غيره سبحانه، ولكنّ قلبه غافل عن الله وعن الصلاة، فمن نظر إلى ما يصدر عن ظاهره من الخشوع والاستكانة، يظنّ أنّه منقطع إلى جناب ربّه، وحذف ما سواه عن صحيفة قلبه، وهو بكلّيّته عنه تعالى غافل، وإلى أمر من أمور الدنيا متوجّه. وكذلك قد يمشي الرجل على هيئة الطمأنينة والوقار، بحيث من يراه يجزم بأنّه صاحب السكينة والوقار، مع أنّ باطنه ليس موصوفاً بذلك. فمثل ذلك كاذب في عمله، وإن لم يكن مرائياً ملتفتاً إلى الخلق، ولا نجاة من هذا الكذب إلا باستواء السريرة والعلانية، أو كون الباطن أحسن


وأمّا في مقامات الدين، كالكذب في الخوف والرجاء، والزهد والتقوى والحبّ والتعظيم، والتوكّل والتسليم، وغير ذلك من الفضائل الخلقيّة. فإنّ لها مبادئ يطلق الإسم بظهورها، ثمّ لها حقائق ولوازم وغايات، والصادق المحقّق من نال حقائقها ولوازمها وغاياتها، فمن لم يبلغها كان كاذباً فيها"1.

الرذائل والكذب
بناء على ما أورده العلّامة النراقي قدس سره فإنّ كثيراً من المساوئ الأخلاقيّة مردّها إلى الكذب، بالإضافة إلى العديد من الذنوب الأخرى، فالرياء الذي يظنّ أنّه ذنب وسيّئة أخلاقيّة هو أمر راجع إلى الكذب، في دعوى التوحيد في العبادة، وكذلك ادّعاء المقامات، أي مقامات القرب من الله تعالى، من دون تحقّقها واقعاً يُعدّ من الكذب، رغم أنّ نفس الادّعاء هو مجرّد قول لا أكثر.
موقف الشرع من الكذب
ذمّ الشرع المقدّس الكذب بكلّ أشكاله، واحتقر الإنسان المتّصف بهذه الصفة، إذ تجد من الروايات والآيات الكثيرة التي أشارت لقبح هذه الصفة، والنهي عن الوقوع في شرّها، ومن هذه الروايات ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أعظم الخطايا اللسان الكذوب"2.


من الظاهر. وهذا القسم من الكذب ربّما كان من رذائل قوّة الشهوة وربّما كان من رذائل قوّة الغضب، وربّما كان من رداءة القوّة المدركة، بأن كان باعثه مجرّد الوسواس.

وممّا روي في احتقار صاحب الكذب، ما روي أيضاً عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا كذب العبد، تباعد الملك عنه ميلاً من نتن ما جاء به"3.
بل اعتبر القرآن الكريم الكذب من صفات الذين لا يؤمنون بالله تعالى، فالمؤمن الحقيقيّ هو الذي لا يكذب، ولو كذب فإنّ هذا يدلّ على خلل ما في حقيقة إيمانه، قال تعالى: }إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾4.
وورد في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - لمّا سُئل: "أيكون المؤمن جباناً؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم: نعم.
قيل له: أيكون المؤمن بخيلاً؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم: نعم.
قيل له: أيكون المؤمن كذّاباً؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم: لا"5.

علاج الكذب
ذكر علماؤنا الأعلام علاجاً للمصاب بمرض الكذب، وأوّل العلاج الذي ذكروه أن يكثر الإنسان في تأمّل الآيات والروايات الذامَّة لهذا العمل، ليدرك أثرها الأخرويّ المأساويّ والمخزي، يقول العلّامة النراقي قدّس الله نفسه الزكيّة:

"أوّلاً: أن يتأمّل في ما ورد في ذمّه من الآيات والأخبار، ليعلم أنّه لو لم يتركه لأدركه الهلاك الأبديّ. ثمّ يتذكّر أنّ كلّ كاذب ساقط عن القلوب في الدنيا، ولا يعتني أحد بقوله، وكثيراً ما يُفتضح عند الناس بظهور كذبه. ومن أسباب افتضاحه أنّ الله سبحانه يسلّط عليه النسيان، حتّى أنّه لو قال شيئاً ينسى أنّه قاله، فيقول خلاف ما قاله، فيفتضح. وإلى ذلك أشار الصادق عليه السلام بقوله: "إنّ ممّا أعان الله به على الكذّابين النسيان"6.
"ثمّ يتأمّل في الآيات والأخبار الواردة في مدح ضدّه، أعني الصدق كما يأتي، وبعد ذلك إن لم يكن عدوًّا لنفسه، فليقدّم التروّي في كلّ كلام يريد أن يتكلّم به، فإن كان كذباً يتركه وليجتنب مجالسة الفسّاق وأهل الكذب، ويجالس الصلحاء وأهل الصدق"7.

آثار الكذب
من المناسب الإشارة لبعض آثار الكذب التي ذكرها القرآن الكريم، والروايات الشريفة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وآل البيت عليهم السلام فمنها:
1- عدم الهداية:
إذ يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الله لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾8, ويقول في آية أخرى:
﴿إِنَّ الله لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾9.


2- النفاق:
إذ يقول سبحانه وتعالى: ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا الله مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ﴾10.
3- فقدان الهيبة بين الناس:
فالكاذب يحتقره المجتمع ويمجّه، وينظر إليه بعين الريبة دوماً، وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام فيما روي عنه: "ثمرة الكذب المهانة في الدنيا والعذاب في الآخرة"11.
وعن السيّد المسيح عليه السلام: "من كثر كذبه ذهب بهاؤه"12.
4- فقدان الثقة:
وهذا أمر طبيعي جدّاً، فكيف يصدّق الناس رجلاً معروفاً بالكذب بل يُعدّ التصديق بكلامه من السفه والحمق، وقد جاء في الرواية عن الإمام عليّ عليه السلام: "من عُرف بالكذب قلّت الثقة به، من تجنّب الكذب صدقت أقواله"13.
5– الفقر:
ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الكذب ينقص الرزق"14، وعن الإمام علي عليه السلام: "اعتياد الكذب يورث الفقر"15.


الفحش


الفحش، وهو تلفّظ الكلمات النابية والبذيئة التي يستقبحها العرف، آفّة لو ابتلي بها الإنسان وفقد السيطرة على نفسه، يتسبّب بأذى شديد للآخرين، لأنّ الفحش ليس مجرّد ذكر عورة أو عمل غير لائق، بل يتضمّن نيلاً من أعراض الآخرين في غالب الأحيان.
ويترفّع الإنسان السويّ وذو الفطرة النقيّة عن كلام الفحش، كما أنّ للشرع المقدّس موقفاً منه، وهذا ما سنسلّط الضوء عليه في درسنا هذا إن شاء الله تعالى.

حرمة الفحش
وقفت الشريعة موقفاً قاسياً من الفحّاش حيث حرّمت الفحش، ونبدأ من كتاب الله تعالى إذ يقول جلّ وعلا: ﴿عُتُلّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ﴾16.
وعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم - في قوله تعالى: ﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ﴾ -: "هو الفاحش اللئيم"17.
وفي تفسير القمّي قال: العتلّ العظيم الكفر الزنيم الدعيّ.
وبمقدار ما نهت الروايات والآيات الشريفة عن الفحش في القول

والعمل, فقد أكّدت من جهة أخرى على أهميّة القول الحسن، يقول الله تعالى: ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ﴾18.
حيث أكّد الله على القول الحسن قبل تأكيده في الآية على الصلاة والزكاة، وكذلك لو طالعنا الروايات لوجدنا نفس الشيء، ففي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "قولوا للناس أحسن ما تحبّون أن يقال لكم، فإنّ الله يبغض اللّعان السبّاب الطعّان على المؤمنين، الفاحش المتفحّش، السائل الملحف"19.

وللفحش مراتب!
يلجأ بعض المتهتّكين من الفاحشين إلى التبجّح بحالهم وبفسقهم حين ارتكابهم لهذه المعصية، ولا يبالون بغضب الله الذي يلحق بهم حينما يسلكون هذا الطريق الخاطئ، وقد ذمّ أمير المؤمنين عليه السلام هذه الفئة من الناس ووصفها بالسفه، فعنه عليه السلام: "أسفه السفهاء المتبجّح بفحش الكلام"20.
إلّا أنّ بعضاً من الناس أيضاً يبالغون أكثر من ذلك، ويمعنون غوصاً في الفحشاء، إذ يحاولون أن يسخِّروا كلّ قدراتهم في التعبير، لابتداع فحش أفحش ممّا هو معروف لدى الناس، ويتبارون فيما بينهم لا على البرّ والتقوى، وإنّما على من يسخط ربّه والعياذ بالله تعالى أكثر.

الفحش سلاح اللئام
قرنت الروايات الشريفة صفة اللؤم بالرجل الفحَّاش، ولعلّ ذلك


لأنّ من لا يتورّع عن شتم أعراض الناس، يحمل في نفسه مرض اللؤم والحقد على الآخرين، من أدنى سبب بل من أتفه سبب أحياناً.
ففي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "سلاح اللئام قبيح الكلام"21.

السباب وسيلة العاجز
بعض الناس لا تمتلك القدرة على الإقناع من خلال الحوار، لأنّها لا تبني أفكارها ومعتقداتها وآراءها على أساس علميّ، بل تتبنّى فكراً قابلاً للنقد بكلّ سهولة، وبسبب عدم تمكّنها من تقبّل النقد الذي يحطّم أفكارها الواهية، تقوم في المقابل بردّ لا عمليّ على النقد الموجّه لأفكارها، وهو السباب وتكفير الآخر وتجهليه، وتحويل النقاش الموضوعيّ البنّاء من وسيلة لتطوّر العلم والمعرفة، إلى ساحة للصياح والسباب، والتعرّض بالشتم أو اللّعن.
إنّ هذا النوع من العاجزين عن بناء أفكارهم على أسس متينة، والذين لم يربّوا أنفسهم على تقبّل النقد والنصيحة، واللامتورّعين عن شتم الآخر، هم العاجزون لا عن إثبات أفكارهم فحسب، بل عاجزون عن التطوّر، لأنّ قطع الحوار بهذه الطريقة يلغي تطوّر الفكر، ويبقي الشخص المتمسّك بهذا الخُلق السيّئ، أسير رغبته في الانتقام ممّن يعتقد أنّه "مسّ بمروءته، أو يحاول تحطيمه".

الفاحش شرّ الناس
تصنّف المجتمعات البشريّة المحافظة على القيم الرجل الفاحش في خانة الطبقة الدنيا من المجتمع، ويعتبرونه من الأشخاص الذين


يعاب مصاحبهم، ولذا ترى الفاحشين يصاحبون من شابههم من الناس.
وعدّت الروايات الشريفة المتّصفين بهذه الصفة بأنّهم شرُّ الناس، ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ من شرِّ الناس من تركه الناس اتّقاء فحشه"22.
ولم تكتفي الروايات بعدّ الفحّاش من شرِّ الناس بل أوعدته النار، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "من خاف الناس لسانه فهو في النار"23.

خاتمة:
السباب واللّعن صفتان لم يرغب الشرع الأقدس في اتّصاف المؤمن بهما، ولينظر المرء لنفسه حين يبتلى بهذه الصفة، وليعلم أنّ الرقيب الحسيب يحسب عليه كلّ كلمة يقولها، وسيسأل عنها يوم القيامة.
وليعلم أيضاً أنّ من يوجّه كلامه البذيء لأعراض الناس، سيوجّه له الكلام يوماً ما، فهل سيقبل بهذا؟
بالطبع لا، فلماذا إذن قبل أن يشتم الآخرين، وينال من أعراضهم التي أوصى الله تعالى بسترها، ولم يقبل ذلك على نفسه؟!
فعن الإمام عليّ عليه السلام: "من عاب عيب، ومن شتم أجيب"24.
فإذا كان الفاحش يرى لنفسه ميزةً عن الناس، ورفعةً، فهو يحمل فوق فسقِه لفحشه تكبّراً يودي به إلى جهنّم، حيث ينادي المنادي


يومئذٍ: ﴿فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِين﴾25.
فليقف الإنسان مع نفسه قبل أن تخرج أيّة كلمة منه، ليتذكّر ما هي العاقبة، وأنّه في غنى عن عذاب الله تعالى، بسبب كلمة تخرج، حالة غضب، وليعلم أنّ أهل البيت عليهم السلام رفضوا أن يصاحبوا الفحّاشين في الدنيا، فكيف يطمع في لقائهم والقرب منهم في جنّات النعيم، ففي الرواية أنّه كان لأبي عبد الله الصادق عليه السلام صديق لا يكاد يفارقه إذا ذهب مكاناً، فبينما هو يمشي معه في الحذّائين26, ومعه غلام له سنديّ يمشي خلفهما، إذ التفت الرجل يريد غلامه ثلاث مرات فلم يره، فلمّا نظر في الرابعة قال: يا ابن الفاعلة أين كنت؟
قال: فرفع أبو عبد الله عليه السلام يده فصكّ بها جبهة نفسه ثمّ قال عليه السلام: "سبحان الله تقذف أمّه، قد كنت أرى أنّ لك ورعاً فإذا ليس لك ورع.
فقال: جعلت فداك إنّ أمّه سنديّة مشركة، فقال عليه السلام: أما علمت أنّ لكلّ أمّة نكاحاً، تنحّ عنّي. قال: فما رأيته يمشي معه، حتّى فرّق الموت بينهما"27.


الغضب


المرض الأخلاقيّ الأكثر انتشاراً، وأكثر ما يدخل المرء في دائرة المعاصي، وصفه بعض علمائنا قدّس الله أسرارهم قائلاً:
"وهو كيفيّة نفسانيّة موجبة لحركة الروح من الداخل إلى الخارج للغلبة، ومبدؤه شهوة الانتقام، وهو من جانب الإفراط، وإذا اشتدّ يوجب حركة عنيفة، يمتلئ لأجلها الدماغ والأعصاب من الدخان المظلم، فيستر نور العقل ويضعف فعله، ولذا لا يؤثّر في صاحبه الوعظ والنصيحة، بل تزيده الموعظة غلظة وشدّة. قال بعض علماء الأخلاق: "الغضب شعلة نار اقتبست من نار الله الموقدة، إلّا أنّها لا تطّلع إلّا على الأفئدة، وإنّها لمستكنّة في طيّ الفؤاد استكنان الجمر تحت الرماد، وتستخرجها حميّة الدين من قلوب المؤمنين، أو حميّة الجاهليّة والكبر الدفين من قلوب الجبّارين، التي لها عرق إلى الشيطان اللعين، حيث قال: }خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ{28, فمن شأن الطين السكون والوقار، ومن شأن النار التلظِّي والاستعار"29.
إلّا أنّ الغضب بحدّ ذاته ليس بصفة قبيحة، بل الذهاب به إلى


حيث لا يرضي الله تعالى هو المذموم منه، فالغضب مطلوب في كثير من الأمور، وأوّلها الحميّة في الدفاع عن الحقّ وأهله، والغيرة على الأهل والعيال، والانتقام من أعداء الله تعالى، ولكنّ استخدام الغضب في غير هذه الموارد، ولا سيّما الموارد التي ينبغي فيها التراحم هو المذموم والمنهيّ عنه.

مفتاح كلّ الشرور!
إنّ الغضب المذموم هو الذي وصفته الروايات بأنّه مفتاحٌ لكلّ شر، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "الغضب مفتاح كلّ شرّ"30.
"والسبب في ذلك أنّ حالة الغضب تخرج الإنسان من حالة التعقّل إلى الاندفاع الشديد وراء غريزة الانتقام والتشفّي، وهذا الاندفاع الشديد قد يجرّ الإنسان لمرحلة يفقد فيها السيطرة على نفسه، فينتهك حرمات الله التي نهى عنها، وممّا يلزم الغضب من الآثار المهلكة الذميمة، والأغراض المضرّة القبيحة: انطلاق اللسان بالشتم والسبّ، وإظهار السوء والشماتة... وإفشاء الأسرار وهتك الأستار والسخرية والاستهزاء، وغير ذلك من قبيح الكلام الذي يستحيي منه العقلاء، وتوثّب الأعضاء بالضرب والجرح والتمزيق والقتل، وتألّم القلب بالحقد والحسد والعداوة والبغض، وممّا تلزمه: الندامة بعد زواله، وعداوة الأصدقاء، واستهزاء الأراذل، وشماتة الأعداء. وتغيّر المزاج، وتألّم الروح وسقم البدن، ومكافأة العاجل وعقوبة الآجل"31.


ولذلك كانت النصيحة بترك الغضب، مفتاحاً لتخلّص الإنسان من جلِّ الشرور التي يمكن أن يرتكبها، وهذا ما كان ينصح به رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فقد روي أنّه قال رجل للنبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "يا رسول الله علّمني قال: إذهب ولا تغضب، فقال الرجل: قد اكتفيت بذاك، فمضى إلى أهله، فإذا بين قومه حرب قد قاموا صفوفاً ولبسوا السلاح، فلمّا رأى ذلك لبس سلاحه، ثم قام معهم ثم ذكر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تغضب" فرمى السلاح، ثمّ جاء يمشي إلى القوم الذين هم عدّو قومه، فقال:
يا هؤلاء، ما كانت لكم من جراحة أو قتل أو ضرب ليس فيه أثر، فعليّ في مالي أنا أو فيكموه.
فقال القوم: "فما كان فهو لكم، نحن أولى بذلك منكم، قال: فاصطلح القوم وذهب الغضب"32.

جمرة من إبليس
إذا نظرنا لحالة الغاضب، أي لمظهره الخارجيّ في حالة الغضب، وكيف يحمرّ وجهه ويتغيّر حاله، سنعرف حتماً لماذا وصفت الروايات الشريفة الغضب بأنّه جمرة من الشيطان، الذي خلقه الله تعالى من النار، ففي الرواية عن أبي حمزة الثماليّ، عن أبي جعفر الباقرعليه السلام قال: "إنّ هذا الغضب جمرة من الشيطان، توقد في قلب ابن آدم، وإنّ أحدكم إذا غضب احمّرت عيناه، وانتفخت أوداجه، ودخل الشيطان فيه، فإذا خاف أحدكم ذلك من نفسه، فليلزم الأرض، فإنّ رجز الشيطان ليذهب عنه عند ذلك"33.

لا تغضب
أوصت الروايات الشريفة بشكل لا يوصف من حيث الكثرة المؤمنين بترك الغضب، ووعدت الملتزم بهذه الوصيّة الجزيل من الثواب، يوم يقوم الناس لربّ الأرباب، فممّا جاء في آثار عاقبة ترك الغضب:
1– غفران الله تعالى:
ففي الرواية عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: "مكتوب في التوراة فيما ناجى الله عزّ وجل به موسى عليه السلام: يا موسى أمسك غضبك عمّن ملّكتك عليه، أكفّ عنك غضبي"34.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من كفّ نفسه عن أعراض الناس، أقال الله نفسه يوم القيامة، ومن كفّ غضبه عن الناس، كف الله تبارك وتعالى عنه عذاب يوم القيامة"35.
2– الستر:
أي الستر من الفضيحة في الدنيا والآخرة، وهذا من الرحمات الإلهيّة الكبرى فقد جاء في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "من كفّ غضبه ستر الله عورته"36.
3– انتصار الله له:
إكراماً منه سبحانه وتعالى لعبده المؤمن المسيطر على غرائزه،


فقد جاء في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ في التوراة مكتوباً: يا ابن آدم اذكرني حين تغضب، أذكرك عند غضبي، فلا أمحقك فيمن أمحق، وإذا ظُلمت بمظلمة، فارض بانتصاري لك، فإنّ انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك"37.

كيف نعالج الغضب؟
ذكر العلماء الكثير من الطرق لمعالجة الغضب، وقال بعضهم أنّ هذا المرض لا علاج له، إلّا أنّ الموعظة لا شكّ بأنّها تترك الأثر الكبير في نفس الإنسان، وتحليل الحالة التي تجرّ المرء لارتكاب هذا العمل المذموم يبصّر المرء بحقيقتها.
ففي حالة الغضب، ينبغي على المريض به أن يعلم بأنَّ الغضب لا يعني الرجولة أبداً، وإن كان يمنح المرء حالة من السيطرة على محيطه، يقول العلامة النراقي قدس سره: "والعجب ممن توهّم أن شدّة الغضب من فرط الرجوليّة، مع أنّ ما يصدر عن الغضبان من الحركات القبيحة، إنّما هو أفعال الصبيان والمجانين، دون الرجال والعاقلين، كيف وقد تصدر عنه الحركات غير المنتظمة، من الشتم والسبّ بالنسبة إلى الشمس، والقمر، والسحاب، والمطر، والريح، والشجر، والحيوانات والجمادات، وربّما يضرب القصعة على الأرض، ويكسر المائدة، ويخاطب البهيمة والجماد، كما يخاطب العقلاء، وإذا عجز عن التشفّي، ربّما مزّق ثوبه، ولطم وجهه، وقد يعدو عدو المدهوش المتحيّر، وربّما اعتراه مثل الغشية، أو سقط على الأرض


لا يطيق النهوض والعدو. وكيف تكون مثل هذه الأفعال القبيحة من فرط الرجوليّة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الشجاع من يملك نفسه عند غضبه"38.
"ثمّ بعد هذا، يلزم المصاب بالغضب أن يبتعد قدر الإمكان عن المسبّبات والمهيّجات لطبعه، فالبعد عن الأمور المستفزَّة يخفّف من هذه الحالة، ومن الأمور الأساسيّة التي تهيّج الغضب "العجب، والفخر، والكبر، والغدر، واللجاج، والمراء، والمزاح، والاستهزاء، والتعيير، والمخاصمة، وشدّة الحرص على فضول الجاه والأموال الفانية، وهي بأجمعها أخلاق رديّة مهلكة، ولا خلاص من الغضب مع بقائها، فلا بدّ من إزالتها حتى تسهل إزالته"39.
ثمّ على الإنسان أن يتدبّر في ما أوعد الله تعالى به المنتهك للقانون الإلهيّ، وما أعدّه من توعّد للغاضب بغضبه.
وبعد ذلك يبقى عليه أن يذكر الله دائماً عند غضبه، اتّباعاً لما ورد في الروايات الشريفة.



هوامش

1- جامع السعادات - النراقي - ج 2 ص 247.
2- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 ص 2672.
3- م. ن. - ج 3 ص 2673.
4- النحل:105.
5- ميزان الحكمة - الري شهري - ج 3 ص 2673.
6- وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 12 ص 245.
7- جامع السعادات - النراقي - ج 2 ص 256.
8- الزمر:3.
9- غافر: من الآية 28.
10- التوبة: 77.
11- ميزان الحكمة - الريشهري - ج 3 ص 2677.
12- م. ن. - ج 3 ص 2677.
13- م. ن. - ج 3 ص 2677.
14- م. ن. - ج 3 ص 2678.
15- م. ن. - ج 3 ص 2678.
16- القلم:13.
17- ميزان الحكمة - الري شهري - ج 3 ص 2377.
18- البقرة: 83.
19- ميزان الحكمة - الري شهري - ج 3 ص 2376.
20- م. ن. - ج 3 ص 2376.
21- م. ن. - ج 3 ص 2377.
22- م. ن. - ج 3 ص 2377.
23- م. ن. - ج 3 ص 2377.
24- م. ن. - ج 3 ص 2377.
25- النحل: 28.
26- منطقة فيها صانعو أحذية.
27- الكافي - الكليني - ج 2 ص324.
28- الأعراف: 12.
29- جامع السعادات - النراقي- ج 1 ص 255.
30- وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 15 - ص 358
31- جامع السعادات - النراقي - ج 1 ص 258
32- الكافي - الكليني- ج 2 ص 304
33- م. ن. - ج 2 ص 305
34- م. ن. -ج 2 ص303.
35- م. ن. -ج 2 ص305.
36- م. ن. -ج 2 ص303.
37- م. ن. -ج 2 ص304.
38- جامع السعادات - النراقي - ج 1 ص 258.
39- م. ن. -ج 1 ص 259.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://turaibel.mam9.com
 
الكذب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات قرية الطريبيل :: الاقـسـام الاسـلامـيـة :: منتدى الإسلامي-
انتقل الى: