تأثير الحسد في النفوس
والمعروف: أنّ يوسف وبنيامين كانا من اُمّ واحدة غير باقي الإخوة، واختلاف الاُمّهات قد يبعث بنائرة الحسد في النفوس، خصوصاً إذا رأوا باقي الإخوة أنّهم هم الأقوياء، وأنّهم هم الذين يدبّرون لأبيهم حياته، ويتكفّلون حلّ مشاكله باعتبارهم هم الأقوياء، دون الأخ الصغير، ولكن الأخ الصغير كان هو أكثر محبوبيّة لدى الأب سواء كان ذلك لصغره وضعفه، أو لطهره ونظافته، أو
(1) وإليك معنى البيتين:
إذا اهتزّ سـيف الـعالم في مـكـان سوف لن يقطع وريداً إن لم يشأ الله
إنّ الله يسوق السفينة حيث يشاء ولــيـكـن ربـّانـهـا شـاء أو لـم يـشـأ
لذكائه ونبوغه، وعلى الخصوص بعد اطّلاع يعقوب على رؤيا يوسف.
لاحظوا الحسد كيف يؤثّر في النفوس; إذ يغري الإخوة للتخطيط الجنائيّ لقتل أخيهم، أو إبعاده عن الأرض.
ولم يكن هذا هو أوّل مرّة من اشتعال نائرة الحسد في نفوس أولاد آدم.
ولقد سبق ذلك في أوّل خلقة بني آدم في قصّة قتل قابيل لهابيل ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (1).
يقال: إنّ هابيل قرّب شاة سمينة من شياهه في سبيل الله، وإنّ قابيل قرّب سنبلة ضعيفة من زرعه، أو طحيناً في سبيل الله، فصعّدا قربانيهما على جبل، فنزلت صاعقة وأكلت قربان هابيل، ولم تأكل قربان قابيل، وكان ذلك علامة على قبول القربان الأوّل دون الثاني، فهذا أوجب تأجيج نار الحسد في نفس قابيل على هابيل.
التذرّع بالتوبة في ارتكاب المعصية:
وعلى أيّ حال، فمن أعظم العبر في قصّة إخوة يوسف طريقة إغفالهم لوجدانهم الذي كان يمنعهم عن ارتكاب الجرم الذي أوقعوه
(1) سورة المائدة، الآية: 30.
بشأن أخيهم يوسف، وهي أن حدّثوا أنفسهم بالتوبة على ما يبدو من قوله تعالى: ﴿وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ﴾ ، وهذا ما يتذرّع به كثير من المسلمين الذين يذنبون، وهذا هو الذي تذرّع به عمر بن سعد في قتل الحسين حيث قال:
فإن صدقوا فيما يقولون إنّني أتوب إلى الرحمن من سنتين
وغفلوا أوّلاً: عن أنّه لا ضمان لبقائهم أحياء إلى أن يصبحوا قوماً صالحين، ويتوبوا عمّا يفعلون الآن بيوسف.
يا من يعدّ غداً لتوبته أعلى يقين من بلوغ غد
أيّام عمرك كلّها عددٌ ولـعلّ يـومك آخر العدد
وثانياً: عن أن ترك الذنب أسهل من التوبة، فسلام الله على مولى المتّقين الذي قال ـ على ماورد في نهج البلاغة ـ : «ترك الذنب أهون من طلب التوبة»(1).
والسرّ في ذلك واضح، فإنّ القلب بذاته نورانيّ ناصع ذو صفاء، فإذا كسر صفاؤه بالذنب، أصبحت التوبة أصعب.
وإغواء الشيطان للإنسان المؤمن بوعده إيّاه بالتوبة هو أنجح طريق للشيطان في الغلبة على وجدان المؤمن حينما يمنعه عن ارتكاب الذنب.
(1) نهج البلاغة طبعة ابن أبي الحديد ذات عشرين مجلّداً، ج 18، ص 396.
﴿قَالَ قَائِلٌ مِنهُمْ لاَ تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ﴾ (