الشعائر الحسينية لمحات في أبعادها السياسية والاجتماعية
كاتب الموضوع
رسالة
الإدارة عضو ذهبي ممتاز
الجنس : عدد الرسائل : 6362 تاريخ التسجيل : 08/05/2008
موضوع: الشعائر الحسينية لمحات في أبعادها السياسية والاجتماعية الأربعاء يونيو 27, 2012 9:41 am
الشعائر الحسينية لمحات في أبعادها السياسية والاجتماعية
لنا ان نوضح بدءا ، ان هذه الأسطر ليست تاريخا للمنبر الحسيني واشكال العزاء الاخرى التي شهدتها وتشهدها أكثر من بقعة من بقاع العالم الإسلامي ، وانما هي اشارات تعريفية بموقع العزاء وأهدافه السياسية والاجتماعية في نهضة الإمام الخميني ، اذ استطاعت المجالس الحسينية ان تصل الى ذروة فعلها السياسي والاجتماعي في أحداث الثورة ، وفي السنوات التي تلت الانتصار وتأسيس الدولة الإسلامية ، حينما انتقل المجلس الحسيني من دور التعبئة والتحريض والتثوير ، الى دور الحماية لكيان الدولة الجديدة ، ضد ما داهمها من أخطار داخلية وخارجية ، حيث كان عزاء سيد الشهداء ( عليه السلام ) ومجمل الشعائر ومراسم الإحياء الحسيني ، من ابرز وسائل الشعب الإيراني المسلم لتوحيد صفوفه وتعبئة طاقاته في مواجهة عدوان السنوات الثمان والأشكال العدائية الأخرى التي فرضت على الثورة الإسلامية يقول الإمام الخميني (ره) : ( ان مجالس العزاء والمواكب الحسينية ، قد ربت شبابنا على الذهاب الى جبهات الحرب وطلب الشهادة والافتخار بها ) (1) . وبديهي ان مراسم الاحياء الحسيني في بمظهراتها المشروعة ليست بنت اليوم ، ولا هي من نسخ الممارسات المستحدثة ، بل تمتد في تاريخ الإسلام ، الى القرن الهجري الأول ، وتخضع في شكلها الاجتماعي وتعابيرها الأدائية الفنية ، الى إطار تشريعي يؤسس لمشروعيتها ، ويحث على ممارستها في أوساط المسلمين . وحيث كان الامر كذلك ، تمر هذه الورقة سريعا على لمحات من النصوص والمواقف الدالة على هذا الصعيد . ولما كانت الورقة تستضي بالنص الخميني وتتبع دلالته في الموضوع ، فان نصوص الإمام الراحل لم تقتصر على عرض مراسم الاحياء وتناول فلسفتها في العصور الراهنة وحسب ، وانما راحت تتوغل زمنيا لتكتشف من خلال دراستها للخلفية التاريخية ، المعطيات الاجتماعية والسياسية والثقافية للشعائر الحسينية ، في الأشواط المختلفة التي مر بها المسلمون عامة ، وشيعة أهل البيت ( عليهم السلام ) على وجه الخصوص . وفي عصرنا الراهن حيث توافر لمراسم الاحياء زخم عظيم ترافق مع حالة الإحياء الإسلامي ، وجدنا التيارات المخالفة تتعاضد للتشكيك بهذه الشعائر المقدسة ، رافعة عقيدتها بإثارة الأسئلة وإطلاق الشبهات ، تارة باسم الشرعية الدينية كما تفعل الوهابية ومن يناصرها ، وتارة باسم العقلانية والاستنارة كما تفعل بعض فئات المثقفين المسلمين ، وتارة باسم الحداثة والفهم الاجتماعي المتجدد لفلسفة الدين ، المستمد مباشرة من المناهج الغربية ، كما يفعل الغربيون المهتمون بدراسة وقائع المجتمعات الإسلامية المعاصرة ، ومتابعة التحولات التي تمر بها ، وكذلك من انساق ورآهم من المتغربين من أبناء المسلمين ، خصوصا في الاتجاهات الخطيرة التي برزت وتبلورت خلال العقد والنصف الماضيين . وبذلك كان لابد لهذه الورقة من ان تتوقف قليلا عند هذه النزعات التشكيكية ، خصوصا مع ما تمثله من خطر ثقافي يؤثر بالدرجة الاولى ،على وعي المسلمين في تعاطيهم مع الشعائر الحسينية ، وانفتاحهم العريض عليها وربما كان لها في الدرجة الثانية ، بعض تأثيرات سلبية على فئات في المجتمع الشيعي نفسه ، في ممارسته العملية للمراسم العاشورائية . في ضوء هذه المقدمات ينتهي هيكل البحث في هذه الورقة الوجيزة ، الى النقاط الاتية : اولا : أصالة العزاء الحسيني في الوعي الإسلامي . ثانيا : البعد السياسي لمراسم الاحياء الحسيني . ثالثا : البعد الاجتماعي لمراسم الاحياء الحسيني . رابعا : النزعات التشكيكية . اصالة العزاء الحسيني في الوعي الإسلامي : يحفل الوعي الإسلامي منذ صدر البعثة وحتى عصر الإمام الثاني عشر ، بنصوص تأسيسية مكثفة صادرة عن النبي وأهل بيته ( صلوات الله عليهم اجمعين ) ، وهي جميعا تحث المسلمين لإقامة العزاء على سبط رسول الله ( صلى الله عليه واله ) الإمام الحسين ونلمس في تفاصيل هذه الأحاديث تاكيدا على احياء ذكرى سيد الشهداء ( عليه السلام ) باشكال العزاء المختلفة ، بين بكاء وتباك وإنشاد شيعي وإقامة مجالس المصيبة والزيارة وتشكيل المواكب وما سوى ذلك . من ذلك قول الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( من تذكر مصابنا ، وبكى لما ارتكب منا ، كان معنا في درجتنا يوم القيامة ، ومن ذكر مصابنا فبكى وأبكى ، لم تبك عينه يوم تبكي العيون ، ومن جلس مجلسا يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب ) (2) . وكذلك تشتهر في هذا السياق قصة أبي هارون المكفوف الذي دخل على الإمام الصادق ( عليه السلام ) فانشد شعرا بحق مصيبة جده الحسين ( عليه السلام ) فبكى الإمام ، ثم قال لأبي هارون : ( أنشدني كما تنشدون ، يعني بالرقة يقول أبو هارون ، فانشدته (3) : امرر على جدث الحسين فقل لاعظمه الزكية . وبصدد الخلفية العقيدية لشعر الرثاء الحسيني ، روي عن الإمام ، الصادق انه ( عليه السلام ) قال : ( ما قال فينا قائل بيتا من الشعر حتى يؤيد بروح القدس ) (4) . ثمة أحاديث تبلغ المئات وربما الآلاف كما يذهب لذلك بعض الباحثين المعاصرين (5) في الحث على زيارته ( عليه السلام ) في أوقات الامن والخوف ، حتى ورد في حديث ابن بكير انه قال للإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( اني انزل الارجان ، وقلبي ينازعني الى قبر أبيك ، فاذا خرجت فقلبي وجل مشفق حتى ارجع خوفا من السلطان والسعاة وأصحاب المسالح ، فقال : يا ابن بكير ، اما تحب ان يراك الله فينا خائفا ، اما تعلم انه من خاف لخوفنا اظله الله في ظل عرشه ، وكان محدثه الحسين ( عليه السلام ) تحت العرش ، وآمنه الله من افزاع يوم القيامة ، يفزع الناس ولا تفزع ، فان فزع قوته الملائكة ، وسكنت قلبه بالبشارة ) (6) . ليس هدفنا الإمعان في استعراض النصوص التي تشكل الخلفية العقيدية والتشريعية للعزاء الحسيني ، والأشكال المختلفة لمراسم الاحياء ، والا فالإسلام هو الذي أسس لثقافة المأتم والمنبر ولدورهما في حياتنا ، وان ( الإسلام هو الذي أرسى دعائم هذا البناء منذ البداية ) (7) كما يقول الإمام الراحل ، وإنما القصد ان ننتقل من النصوص الى أبعادها السياسية والاجتماعية ، وذلك في الفلسفة التي يتحدث عنها الإمام الخميني للعزاء الحسيني ، ولمراسم الاحياء العامة . البعد السياسي لمراسم الاحياء الحسيني : يواجهنا الإمام الراحل بنص يدعو فيه سماحته الى ضرورة التوفر على وعي عميق للعزاء الحسيني ، فيما أداه من دور تاريخي ، وفيما يملك من إمكانات واسعة في الحاضر والإمام الخميني يعتقد ان وعينا الراهن بمجالس العزاء ناقص ، واحيانا منعدم لذلك يدعونا سماحته لإدراك ( عمق قيم مجالس العزاء الحسيني التي يعرف البعض عنها القليل ، وقد لا يعرف البعض الأخر أي شي عنها ) ( . واذا كان الإمام الراحل يطالبنا باستئناف وعي عميق للعزاء الحسيني ، ولما لأشكاله المختلفة من دور في الماضي والحاضر والمستقبل ، فانه (ره) يمارس تأسيس خطوط عريضة لهذا الوعي عبر فكره النهضوي النير ، ومن خلال خطاباته وأحاديثه التي أكد فيها على الوظائف السياسية للمتم الحسينية ، حيث ركز على : أولا : بكاء الحسين ( عليه السلام ) : ان وراء حث الاحاديث والروايات الإسلامية على بكاء الحسين ( عليه السلام ) ورثائه ، أهدافا أخرى تقف الى جنب الأهداف العبادية والمعنوية يقول الإمام في هذا السياق : ( ان الروايات الواردة إلينا تؤكد على ان مسالة قطرة من الدمع على مظلوم كربلاء لها اهمية كبيرة ، حتى ان بعضها يؤكد على التباكي في هذا المجال ، ويعطيه أهمية ) ثم يضيف (ره) موضحا : ( ان هذا التأكيد ليس لان سيد المظلومين هو بحاجة الى هذا البكاء ، ولا لأنكم تثابون ويثاب المسلمون على ذلك وحسب ، وان كان هذا الثواب موجودا ، وانما هذا الثواب المقدر لكل مجالس العزاء ، لكل مجالس التأبين الحسينية هو لبعدها السياسي إضافة الى أبعادها العبادية والمعنوية ) (9) . هذا النص وأمثاله للإمام الخميني يعيد مشروعية البكاء ومجمل مراسم الإحياء الحسيني الى نصوص تشريعية فالمسلمون الشيعة حين يبكون سيد الشهداء ( عليه السلام ) فهم يمتثلون امرا شرعيا ويمارسون عبادة تخلف عنها من ليس له حظ من ثواب الاخرة يقول الإمام في نص دال : ( اقيمت مجالس العزاء ، منذ ذلك الوقت بأمر الإمام الصادق ( سلام الله عليه ) ، وبتوصية من أئمة الهدى ( عليهم السلام ) ، ونحن تبع لهم في امتثال الأمر وإقامة مجالس العزاء ) (10) . والاهم من وضع البكاء ومراسم الاحياء في اطار المشروعية الدينية ، هي إعادة القراءة التي يقدمها الإمام الخميني لدور البكاء وبقية الشعائر ، اذ يرى فيها تعبيرا مكثفا لعمل سياسي مستبصر . لقد خضعت نظرة الدارسين للتشيع ولعلاقة الشيعة بالحسين السبط الى تحليلات سطحية باردة ، حتى انساق الكثير من الباحثين المحدثين وراء مقولات استشراقية استلهمت أفكارا قديمة ساذجة في التحليل النفسي لسلوك الجماعات وربما كان ابرز هذه الأفكار ، اشهار مقولة ( العقد النفسية ) وعقدة الإحساس بالذنب ، وعقدة الاضطهاد التاريخي ، التي آلت الى (اصطباغ ادبهم [ اي : الشيعة ] بالحزن العميق ، والنوح والبكاء ، وذكرى المصائب والآلام ) كما يكتب احدهم (11) . لم تقتصر المسالة على تفسير الأدب الشيعي على أساس هذه الأفكار والمقولات الجاهزة المستمدة من تحليلات ساذجة وفجة في علم النفس الكلاسيكي ، بل راحت تفسر مجمل السلوك السياسي والاجتماعي والثقافي للشيعة وفق هذه المقولات وحين آل الأمر الى الدراسات المعاصرة التي انطلقت تحت شعار العقلانية النقدية ( حرفيين في تطبيق المقولات المباشرة في علم النفس الكلاسيكي والتحليل النفسي ففي مثال كاندي أطلق عليه احد الدارسين ( الحفر السيكولوجي ) جاءت نتائج بحثه للشيعة والتشيع أكثر بؤسا وفقرا حتى من دراسات الباحثين التقليديين من عرب ومستشرقين ممن سبقوه في تناول الموضوع (12) . اذا كانت مقولة العقد النفسية ، وعقدة الإحساس بالذنب ، وعقدة الثار ، وعقدة الاضطهاد التاريخي ( وغيرها ) تقدم فرضيات محتملة لتفسير سلوك إنسان غير سوي ، أو مجموعة من الافراد الشواذ ، فإنها بالتأكيد لا تقوى على تفسير سلوك طائفة يبلغ عدد نفوسها الان ربع مجموع المسلمين ، مع كل ما يحفل به تاريخها الاجتماعي والثقافي والسياسي من ثراء وتعقيد بيد انها على اية حال ، عقدة انبهار بعض الدارسين بالمناهج الغربية الجاهزة ، وسطحية استعارتهم لمقولاتها ثم ان قضية مثل قضية مراسم الحسين ( عليه السلام ) بلغت من الديمومة والثبات قرونا متمادية ، تناى عن مثل هذه التحليلات الساذجة والمباشرة ،وتخضع في جانبها العبادي الى امتثال لنصوص شرعية ، وفي جانبها الاجتماعي والسياسي والحركي الى تخطيط دقيق وواع . يعود الإمام الخميني الى الجانب السياسي للبكاء من خلال واقعة جديدة ترتبط هذه المرة بحياة الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) اذ أوصى ( أو استأجر ) من يقوم بالنياحة والبكاء عليه بعد موته ، ولكن في منى ، حيث يجتمع الحجاج من جميع أمصار المسلمين ، وليس في بيته أو في مسجد معين مثلا يقف الإمام الراحل مع هذه الحادثة ليسجل أولا ان الإمام الباقر ( سلام الله عليه ) لم يكن بحاجة الى هذا البكاء ، ولا يعود عليه بالنفع الشخصي ( وانما كان يرى فيه بعدا سياسيا ، ففي منى كانت الناس تجتمع من كافة الاقطار ، وعندما يرون انسانا أو مجموعة جلست لبكاء الإمام (الباقر) والنياحة عليه وذكر ما أصابه من ظلم من [ الجهاز الحاكم ] أدى الى استشهاده ، فان ذلك سيقود الى انبعاث موج يعم أرجاء الدنيا ، ( من خلال أولئك الحجاج ) (13) . بديهي ان تصور البعد السياسي للبكاء ، ولمجمل مراسم الإحياء الحسيني ، لا يمكن ان تأتي على صورة متكاملة ، الا بمعرفة الأوضاع التاريخية لتلك العصور ، وتلمس حالة الخوف والإرهاب الشديدين ، والبطش المطلق بكل ما يمت بصلة الى الشيعة والتشيع ، كما سيشير الإمام الخميني لذلك في مكان لاحق . فعن الموقف الذي كان يحيط إنشاد الشعر مثلا ، كون الشعر احد أدوات الاحياء ، يكتب باحث معاصر : ( كان اكتشاف موقف موال لائمة أهل البيت من خلال شعر شاعر أو تأليف كاتب خليقا بان يؤدي بصاحبه الى الموت على أيدي رجال السلطة ، أو إلى التشريد والمطاردة ، والسجن والمصادرة كل ذلك بسبب ان الموقف الشعري لم يكن يعني في الماضي موقفا ذهنيا وعاطفيا فقط ،وإنما كان يعني موقفا سياسيا ايضا ) (14) . وقد أجاد الباحث نفسه في الكشف عن اثر البكاء في توفير رباط عاطفي يغذي الشيعة بطاقة لا تنفد لمواجهة الاضطهاد السياسي العنيف الذي دام قرونا بعد قرون ، ويمدهم بأسباب الصمود والبقاء على وحدة الجماعة وانسجامها الاجتماعي فلو لا البكاء وبقية أشكال الاحياء الأخرى ، لكاد : ( الاضطهاد الذي لا يتورع عن شي ، ان يحطم التماسك عند الجماهير ) (15) . لقد كان الشيعة أقلية اجتماعية وسياسية في الوسط الإسلامي ، ثم آل الأمر بعد ذلك ان يتحول التشيع الى تيار عريض بفضل يوم الحسين ولا ريب ان احد ابرز العوامل المؤثرة في ذلك هو التخطيط الواعي المستبصر لمراسم الاحياء في أشكالها المختلفة من بكاء ونياحة وشعر ومأتم وزيارة فكل هذه الشعائر التعبيرية كانت نموذج حماسة ، ترتبط بأهداف سياسية واجتماعية كبيرة . ينبه الى هذا الجانب احد الدارسين ، فيكتب : ( كان لمقتل الحسين في ارض كربلاء التي أصبحت ملطخة بدمائه ودما أهل بيته ، اثر بعيد في إذكاء نار التشيع في نفوس الشيعة وتوحيد صفوفهم ، وكانوا قبل ذلك متفرقي الكلمة مشتتي الأهواء ، اذ كان التشيع قبل مقتله رايا سياسيا نظريا لم يصل الى قلوب الشيعة فلما قتل الحسين امتزج التشيع بدمائهم وتغلغل في أعماق قلوبهم وأصبح عقيدة راسخة في نفوسهم ) (16) . ومع كل ما يمكن ان نلاحظه على النص ، فان ما يعنينا فيه اشارته الى تحول التشيع الى قاعدة عريضة متماسكة في حيزها الاجتماعي والسلوكي ، وفي بعدها السياسي ومن الواضح ان هذا التحول لم يترتب عفويا على يوم الحسين ( عليه السلام ) وانما كان لتوجيه الأئمة من بعده ، ومن جملته تخطيطهم لمراسم الاحياء ، دوره في إبراز هذه المعطيات . ثانيا : تنظيم تيار المعارضة : في بعد آخر من الأبعاد السياسية والاجتماعية لوظيفة الماتم الحسيني ، نجد ان الإمام الراحل يؤكد دوره التاريخي في تنظيم تيار المعارضة الإسلامية الأصيلة في مواجهة الحكام الأمويين والعباسيين ، ويشير سماحته بدقة ، الى قدرته التنظيمية وبقية الشعائر والتعبوية سياسيا واجتماعيا في تأليف الأقلية الإمامية وتحويلها الى كتلة عضوية ملتحمة وفعالة ، حيث يقول (ره) : ( ان الايام التي صدرت فيها هذه الروايات ( التي تؤكد على احياء ذكرى الحسين ( عليه السلام ) كانت الفرقة الناجية مبتلاة فيها بالحكم الأموي ، ثم وعلى مدى أوسع الحكم العباسي ، وكانت يومئذ جماعة قليلة جدا بالنسبة الى تلك القدرات الكبرى ولكي تنظم هذه الأقلية نشاطاتها السياسية ، فقد أوجدت لها الوسيلة المناسبة لذلك ، المستمدة من منابع الوحي ، وهذه الوسيلة هي تنظيم بحد ذاته لذلك فان ما جاء عن جملة الوحي عليهم السلام في تقرير عظمة هذه المجالس ( الحسينية ) وهذا البكاء ، كان يحث على اجتماع الشيعة على أقليتهم في ذلك الوقت ، وكان الهدف الذي ربما لم يدركه الكثيرون منهم يومذاك هو تنظيم هذه الأقلية إزاء الأكثرية ) (17) . في الحقيقة لا يمكن إدراك المغزى العميق لما تمثله المراسم الحسينية من قدرات تنظيمية هائلة في رص الصف الشيعي ، وتأليفه في جماعة عضوية متطابقة ، الا بمعرفة الوضع السياسي ، وبشاعة الإرهاب الذي كانت تمارسه السلطة ضدهم واذا كانت التفاصيل هي أمور بعيدة عن حدود هذه الورقة ، فلا باس بلمحات سريعة تكفي لإعطائنا مدلولات عن معاناة الشيعة السياسية والأمنية ، والإمكانات الهائلة التي وفرها يوم سيد الشهداء ( عليه السلام ) ومراسم احياء ذكراه في شد الصف الشيعي وإعادة بناء كتلته الاجتماعية في تنظيم عضوي محكم وعريض . يكتب احد الدارسين المعاصرين ، عن تاريخ تلك المرحلة ، مشيرا الى معطيات ثورة الحسين ( عليه السلام ) في توسيع وشد جموع شيعة أهل البيت ، فيقول : ( وان الباحث في تاريخ الشيعة في العصر الأموي ليرى ان موقعة كربلاء (سنة 61هـ ) قد وحدت صفوف الشيعة ، وأثارت في نفوسهم الحماسة للأخذ بثار الحسين بن علي كما اذكت مأساة كربلاء روح التشيع بعد ان كان رأيا سياسيا نظريا لم يصل الى قلوب الشيعة ، ولكن التشيع امتزج بعد مقتل الحسين بدمائهم وأصبح عقيدة راسخة في نفوسهم ) (18) . اما عن طبيعة الإرهاب السياسي والمطاردة الأمنية التي كانت تهدف الى استئصال منهجي لمذهب اهل البيت وأتباعه ، فنعود الى دارس معاصر آخر مارس باسم البحث العلمي الشيعة بيد انه مع ذلك اعترف بضخامة الهجمة الشرسة التي كانوا قد تعرضوا لها من قبل السلطات الحاكمة يومذاك يقول عن بني أمية : ( فبثوا العيون والأرصاد على الشيعة ، واضطهدوهم اضطهادا شنيعا ، فدسوا للحسن حتى طعن بخنجر في جنبه ، ثم قتلوا الحسين في واقعة كربلاء ، ثم تتبعوا أهل البيت يستذلونهم ويمتهنونهم ويقتلونهم ، ويقطعون أيديهم وأرجلهم على الظنة ، وكل من عرف بالتشيع لهم سجنوه أو نهبوا ماله أو هدموا داره ، واشتد بهم الأمر في أيام عبيد الله بن زياد قاتل الحسين ( واتى بعده الحجاج فقتلهم كل قتلة ، وأخذهم بكل ظنة وتهمة ، حتى ان الرجل ليقال له زنديق أو كافر أحب اليه من ان يقال له شيعة علي ) (19) . اما التاريخ فلا زال يحفظ وثائق كثيرة تكشف عن ان هذا القمع المنهجي المنظم ، كان يصدر من سياسة رسمية عليا تهدف الى استئصال آل البيت وشيعتهم والقضاء عليهم قضاء مبرما . يكتب المدائني : ( وكتب معاوية الى عماله في جميع الأفاق الا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة ) وذكر ايضا ان معاوية كتب الى عماله : ( انظروا الى من قامت عليه البينة انه يحب عليا وأهل بيته فامحوه من الديوان واسقطوا عطاءه ورزقه ) (20) . وحين دالت الأيام ، ودار الزمن دورته ، وآل الامر الى بني العباس لم يخف الاضطهاد ، بل ازداد وتعمق ، فقتل الشيعة وطوردوا (21) ، حتى قيل : يا ليت جور بني مروان دام لنا وليت عدل بني العباس في النار . واذا كان تنكيل بني أمية قد انصب على الشيعة في العراق وبعض المناطق الأخرى ، فان بني العباس مضوا لمواجهة شيعة أهل البيت في جميع الأمصار ، حتى البعيدة عن مركز خلافتهم في بغداد ومحاربة الشيعة أخذت تكتسب في زمن بني العباس طابعا اجتماعيا اعرض مما كان في زمن بني امية ، لذا كانت سياسات السلطة تريد ان تلغي تماما الوجود الاجتماعي للشيعة وتعيد تشكيل المجتمع الإسلامي في إطار انتماء واحد موال لها ، يذكر المقريزي ان المتوكل : ( كتب سنة 236هـ الى مصر بإخراج آل ابي طالب منها ، فاخرجوا وقدموا العراق ، فاخرجوا منها الى المدينة ، ولما مات المتوكل قام بعده ابنه محمد المستنصر [ الذي قام بعده ابنه المنتصر كما هو معروف ] فكتب الى مصر بان لا يقبل علوي ضيعة ، ولا يركب فرسا ، وان يمنعوا من اتخاذ العبيد ومن كان بينه وبين احد من الطالبيين خصومة قبل قول خصمه من سائر الناس فيه ، ولم يطالب ببينة ، وكتب الى العمال بذلك ) (22) . لقد ظهر بنو العباس وكأنهم أسفوا على ان لا يكونوا شاركوا بني أمية في قتل سيد الشهداء وآل بيته ، فعادوا الى القبر هدموه وحرثوا الأرض من حوله ، حتى قال الشاعر بعد هدم المتوكل لقبر الحسين : تالله ان كانت أمية قد أتت قتل ابن بنت نبيها مظلوما . فلقد أتاه بنو أبيه بمثله هذا لعمرك قبره مهدوما . أسفوا على ان لا يكونوا شاركوا في قتله فتتبعوه رميما . في مثل هذا الجو المثقل بالدم والكراهية والمنهك بالفتك لدماء العلويين والشيعة ، انبثقت مراسم الحسين سيد الشهداء ، لتكون الإطار الذي يلم الجمع ، ويحافظ على الجماعة ، ويشدها في اطار تنظيمي عضوي فعال ، لا يوفر عناصر الصمود للشيعة وحسب ، وانما يدفع بهم لممارسة مسؤوليتهم الشرعية في الحفاظ على الخط الصحيح ، والبقاء في دائرة المعارضة للسلطات الظالمة . واذا أردنا ان ننظر الى ممارسة السلطات يومذاك ، من منظور لغة التحليل الاجتماعي المعاصر ، فنجد انما كانت تهدف نفسيا وسلوكيا الى ان يعيش الشيعي حالة انفصال بين إيمانه بأهل البيت وانجذابه المعنوي اليهم ( صلوات الله عليهم ) وبين واقع اجتماعي مجاف لهم وكانت تسعى الى ان تعمق حالة الانفصال هذه من خلال شبكة العلاقات الاجتماعية داخل الجماعة نفسها (23) ، بحيث يفتقد الشيعي الحماية النفسية والرصيد السلوكي الذي يمده بالصمود ، داخل مجتمعه الخاص ، كما كان قد افتقدهما في إطار المجتمع العام ، الذي أشاح بوجهه بعيدا عن الولاء العميق لأل البيت بدواعي الخوف من بطش السلطة ، أو الجهل بموقع العترة الطاهرة . على هذا الأساس جاء يوم الحسين ، والرصيد الذي تنطوي عليه مراسم الاحياء ، ليوفرا ( الطاقة الحيوية ) (24) التي تغني المجتمع الشيعي وتمده بعناصر الصمود وتغذيه بأسباب المقاومة والبقاء في دائرة ممارسة المعارضة ، انطلاقا من كونه كتلة عضوية متماسكة ، وليس مجرد فلول وأفراد منهزمين نفسيا . يقول الإمام (ره) في نص يشير الى هذا الجانب : ( المنابر هذه والمأتم ومجالس المصيبة التي تتلى والمواكب ، هي التي حفظتنا وأمدتنا بالبقاء ( بوصفنا جماعة ) وهي التي أبقت الإسلام [ فاعلا ] خلال ألف وأربعمائة سنة ) (25) . ثالثا : التخطيط السياسي : لا يقتصر دور المأتم ومجمل مراسم الاحياء على مرحلة من حياة المسلمين دون اخرى ، وانما تنفتح آفاقه في الحاضر والمستقبل ليواصل عطاه ، يقول الإمام الراحل : ( وعلى طول التاريخ كانت مجالس العزاء الحسيني هذه ، تنظيما ينتشر في انحاء البلاد الإسلامية كافة ) (26) . والإمام الراحل حينما يؤكد على دور المأتم الدائم والمستمر في حياتنا الإسلامية ، فلأنه يؤمن : ( ان الإسلام هو الذي أرسى دعائم هذا البناء منذ البداية ) (27) ونحن بحاجة الى استنفاد الأبعاد الاجتماعية والسياسية للمأتم الحسيني وبقية الشعائر التي خطط لها أئمة أهل البيت ( عليه السلام ) منذ البداية ، لتكون مركزا لتحشيد المسلمين واستثارة طاقاتهم وتعبئتها ، لتحقيق أهداف الإسلام في كل مرحلة . فالأصل في المأتم الحسيني ومراسم الاحياء الأخرى انه صادر عن تخطيط سياسي مستبصر بمقاصد الحياة الإسلامية في ماضيها وحاضرها ومستقبلها ، يقول الإمام الراحل : ( ان الثواب الجزيل المذكور لسطرين من الدعاء ، لا يمكن إدراكه وهضمه ، الا بالتوفر على ادراك البعد السياسي لهذه الأدعية ، الكائن بالتوجه الى الله ، وتوجيه الناس جميعهم وسوقهم الى نقطة واحدة والبعد السياسي يتمثل ايضا بتحشيد الأمة باجمعها وسوقها نحو مقصد إسلامي واحد والهدف من مجالس العزاء ليس البكاء على سيد الشهداء واكتساب الاجر وحسب ، فمثل هذا الأجر والثواب موجودان ، بيد ان المهم هو الجنبة السياسية التي خطط لها ائمتنا في صدر الإسلام لتبقى الى النهاية ، والماثلة في الاجتماع تحت راية واحدة ، والالتفاف حول فكرة واحدة ) (28) . وفي نص آخر يشير الإمام الى ان فلسفة المجالس الحسينية ، تكمن بالاضافة الى ما لها من ثواب آخروي ، بما لها من ( بعد سياسي واجتماعي ) (29) . وما نبغي إبرازه من خلال التأكيد على التخطيط السياسي المصمم منذ البداية لمراسم الاحياء ، وانتهاء مشروعية هذه المراسم الى نصوص تشريعية واضحة وثابتة ، هو مواجهة بعض الاتجاهات الفكرية المستخدمة التي تعيد قراءة مراسم الاحياء العاشورائي ، وجوانب التحريك والتحشيد في الشعائر الإسلامية الاخرى ، من خلال تحليلات جاهزة ترمي فعل المسلمين وتفسره على اساس ايديولوجي سياسي محض (30) . في الواقع ، ما تهدف اليه هذه التفسيرات هو نفي انتساب هذه الممارسات الى أساس ديني تشريعي ثابت ، والنظر إليها من منظار الظواهر الاجتماعية التي تمليها حاجات سياسية طارئة ، تنطلق من واقع المسلمين الحالي وحينئذ تمسي هذه الأفعال والشعائر ، ممارسات اجتماعية وسياسية وضعية لا تمت بصلة الى الدين ، وانما غاية ما هناك ، انه أضيفت عليها مشروعية دينية لدوافع سياسية تعزى هذه الاتجاهات في اغلبها ، الى المناهج الغربية التي تحدثت عن فلسفة الدين في أطار كون الأخير ظاهرة اجتماعية محضة لا تمت باية صلة الى السماء والوحي فالمجتمع هو الذي ينشي دينه ، وعلى هذا الأساس درس هؤلاء الذين كما يدرسون اية ظاهرة من الظواهر الاجتماعية الأخرى . مثلا ، يصف الفرنسي المعروف مكسيم رودنسون الذي تستلهم منه الكتابات العربية المحدثة الكثير ، يصف الإسلام ( بانه آيديولوجيا تعبوية ، انها ايديولوجيا تسهل التهيئة الاجتماعية والسياسية ) (31) وقبل هذا تحدث ماكس فيبر التي الهمت قواعد منهجه الاجتماعي الكثير من أقلام أبناء المسلمين كون الأخيرة ظاهرة اجتماعية معرقلة للتحول الى العقلانية . ثم جاءت شريحة من الباحثين من أبناء المسلمين ، استمدت هذه المناهج طبقتها بحذافيرها على السلوك الديني في المجتمعات الإسلامية وبعد انتصار الثورة الإسلامية اشتد حماس هؤلاء الباحثين لتفسير كل ظاهرة وموقف في العالم الإسلامي على أساس الفرضيات التي بلورتها تلك المناهج (32) . فحين قاد الإسلام الثورة في إيران ، وامسك بزمام التغيير السياسي والاجتماعي انطلاقا من الدين ، وتحدث الفكر النهضوي للإمام الخميني عن الجوانب السياسية لمراسم الحج وعاشوراء وصلاة الجمعة والجماعات ، عاد اولئك الى فرضياتهم التي دفعت بها الخبرة الغربية ، الى الأروقة الأكاديمية ، وغذت بها عقول بعض الباحثين من ابنا المسلمين ، فأخذت تترى التحليلات التي تفسر الدين وظواهر السلوك الديني ، وفق مرادها ، وبما يقطع صلته بالسماء . فبدلا من ان ينتبه هؤلاء للأصول التشريعية الثابتة لممارسات وشعائر إسلامية من قبيل الحج وصلاة الجمعة ومراسم عاشوراء ، وغيرها من الممارسات التي تنطوي على بعد تعبوي ، راحوا يرمون المسلمين وعلماهم بسيل من التهم التي جاءت تحت لافتة التفسير العلمي للظاهرة الدينية هذا احدهم يقطع ممارسات المسلمين التعبوية والاجتماعية في الحج والجمعة وعاشوراء ، عن اية صلة لها كما يزعم بالنصوص الشرعية التاسيسية ، وبالاجتهاد الفقهي ، ويفسرها على اساس دافع آيديولوجي يرفع شعار الدين زورا نواة الوعي الإسلامي المعاصر ولحمته ، والذي يهي للإسلام دورا سياسيا في تجييش الجماهير الكبرى ذات العدد الديموغرافي المتزايد بسرعة هائلة ) . وفي تقييمه لجهد الإمام الخميني الديني في استنهاض المسلمين ، يفسر الحركة برمتها على أساس سياسي مفصول عن الدين تماما يقول : ( ولكن من المؤكد ان هدف تجييش الجماهير في هذه الحركات هو سياسي ، لا ديني ) ثم يبلغ به الامر الى رمي هذه الممارسات بالعلمانية ، بل ووصمها بانها اضخم مظاهر لعلمنة الدين اولئك الذين يستخدمون الإسلام من اجل انجاح ثورة اجتماعية او سياسية ) (33) . والذي نؤكد عليه ازاء هذه التحليلات ، ان الإمام الخميني حين يتحدث عن أبعاد سياسية واجتماعية لشعائر الحسين ( عليه السلام ) فهو لا يفعل ذلك بدوافع سياسية محضة ، ولا يفصل بين مراسم الاحياء في عاشوراء وبين أصولها الدينية في العقيدة والتشريع فمراسم احياء ذكرى الحسين في عاشوراء ، كما مراسم الحج وصلاة الجمعة ، هي جميعا مفردات شرعها الإسلام ، وانما غابت عن المسلمين أبعادها السياسية والاجتماعية ، فجاء الإمام ، كونه رجل نهضة ، ليؤكد ضرورة بعث هذه الجهات وتنشيطها في الحياة الإسلامية ، وقدم فلسفتها الاجتماعية والسياسية والحركية عموما،على ضوء النصوص العقيدية والتشريعية التي تكتنفها . من جهة ثانية ، لو كانت هذه الممارسات ، مجرد ظواهر اجتماعية ظهرت الان لحاجات سياسية طارئة ، فكيف نفسر نشؤها تاريخيا ودأب المسلمين على ديمومة التمسك بها والاستمرار عليها منذ قرون مديدة ؟ فهلا كان لتغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية تأثيره في ممارسة هذه المراسم ، أم ان السادة الباحثين ( طوال هذه القرون بحيث بقيت الممارسات التي تعبر عن تلك الأوضاع ثابتة ايضا . رابعا : المضمون الإعلامي : تعد الكلمة منذ وضع اللغة وتداولها واحدة من العوامل الدائمة للتواصل أيا كانت أهدافه وفي إطار التبليغ والدعوة ، احتلت الكلمة في الإسلام ، بمختلف أشكالها التعبيرية والأدائية ، مكانة مرموقة وثابتة . فالى جوار الخطب التي مورست من قبل الرسول الأكرم ( صلى الله عليه واله ) منذ صدر الإسلام الأول ، انبثق المنبر الحسيني ليشكل اداة توصيلية هائلة التاثير في ممارسة الدعوة والتبليغ ، وسائر المهام السياسية والاجتماعية . وواحدة من ابرز مزايا المنبر ان الخطيب ينهض بدوره من خلال الصوت الإنساني ، ويباشر الجمهور وجها لوجه و( الصوت الانساني يضفي على الموضوع حياة وحضورا لا يتوفران في نص مطبوع ، وهما يقويانه بصورة كبيرة جدا ) (34) . وعليه يبقى للمنبر دوره الدائم الذي يمارسه في كل عصر ومهما بلغ التقدم في وسائل الإعلام وأجهزة الاتصال ، فان المنبر يستطيع ان يحتفظ بتأثيره على الدوام (35) وحين يرتبط المنبر في البيئة الإسلامية ، بقضية مقدسة كقضية الحسين ( عليه السلام ) بما لها من قيمة رمزية وطاقة تعبوية هائلة ،بالإضافة الى ما تتحلى به من مشروعية في النصوص التأسيسية عقيدية وتشريعية ، فلا يمكن ان يضمحل دوره في حياة المسلمين العامة ابدا ، وفي حياة شيعة أهل البيت خاصة . الخلفية العقيدية والتشريعية للمأتم ( الذي يمارسه المنبر ) وثراء المحتوى ، وكثافة الرمز ، وفرادة واقعة الطف ، وتميز يوم الحسين ( لا يوم كيومك يا أبا عبد الله ) جمالية الصوت والرقة في أداء المصيبة ، والشعر المتجدد ابد الدهور المتدفق بزخم جرح الحسين ، كل هذه العوامل وغيرها تمنح المنبر الحسيني خصوصية تزيد من دوره الثقافي والاجتماعي والسياسي ، على مر الايام ، من دون ان يكون ثم مسوغ للخوف عليه من تطور وسائل الإعلام المعاصرة ، وتعقد تقنياتها. واذا أحسنا التعاطي مع معطيات عصرنا ، وتوفرت لنا الفرصة المناسبة لذلك فان عوامل التقدم في وسائل الإعلام ، يمكن ان تعود لتخدم المنبر بشكل واسع ، بما تهي له من ارضية للامتداد والتأثير . فأجهزة الإذاعة والتلفزة في تجربة الجمهورية الإسلامية خاصة ( وتجربة الفيديو في بعض مناطق المسلمين ) هي أدلة إثبات على إمكان ان تخدم هذه الوسائل المنبر الحسيني ، من دون ان تلغيه . ودراسات بعض الباحثين ، في الوقت الذي سجلت نجاح استخدام التلفزة ، الا انها أشارت الى استمرار قوة المنبر عبر الشرائط المسجلة يكتب احد هؤلاء حديثا : ( تستخدم التلفزة بنجاح كبير ، من قبل رجال الدين منذ قيام الثورة ولكن ، لا الإذاعة ولا التلفزة تستطيعان ، ان تنافسا الشرائط المسجلة التي تتيح استنساخ كل المحاضرات والخطب والمواعظ التي يختارها السامع ويستطيع ان يعيد تسجيلها بوسائل تقنية بسيطة وبفضل الشرائط المسجلة لاقى الكثير من المواعظ والخطب انتشارا جماهيريا واسعا ) (36) . واذا كان الفكر الإسلامي لم يحقق شيئا ملموسا على صعيد بناء نظرية بقواعد واضحة حول التبليغ والدعوة والإعلام في المجال الإسلامي ، وكيفية الدعاية المضادة وموجها المتدفق بعنف الى ديار المسلمين ، فان المنبر الحسيني يوفر موقعا ممتازا للإسلاميين يختزن دون ان يلغي الوسائل الأخرى أو يكون بديلا لها اغلب الاصول التي تتحدث عنها المدرسة الوضعية في ممارسة الإعلام السياسي الناجح (37) . من المؤكد ان الإمام الخميني ينظر الى المنبر الحسيني في إطار دوره الشامل للأبعاد كافة ولكن طالما كنا نتحدث عن البعد السياسي لمراسم الإحياء الحسيني والمنبر من بينها في ضوء الفهم الذي أسس الإمام الراحل لخطوطه العريضة ، فلا بد للمنبر اذن ، من ان يؤدي فيما يؤدي من وظائف اخرى ، وظيفته السياسية . واضطلاع المنبر بأداء هذه المهمة ، يأتي من زاوية تعبير المنبر عما تكتنزه ثورة السبط الشهيد من محتوى سياسي ، وكذلك ما تضمه مراسم الاحياء من مضمون على هذا الصعيد ولذلك فهذه ليست دعوة الى تأسيس المنبر الحسيني بالمعنى الذي تذهب اليه التحليلات الوضعية التي اشرنا الى بعضها سابقا بحيث يتحول المنبر الى أداة في لعبة السياسية الوضعية ، ويخدم اتجاهات اجتماعية وسياسية غير إسلامية وإنما دعوة الإمام هي ابتعاث للجانب السياسي الموجود في المنبر أصلا ، والمخطط له منذ البداية . وتفعيل البعد السياسي في المنبر ، كما يرتبط من جهة باستحضار المبادئ التي ثار الحسين من اجلها ، فهو يتصل من جهة ثانية بواقع المسلمين في كل عصر . من هنا التجدد الهائل في محتوى المنبر ، وقدرته الكبيرة على مواكبة عصره في كل وقت ، ومتابعة المشكلات التي تكتنف المجتمع الذي يمارس الخطيب عمله فيه صحيح ان صورة المنبر الحسيني لا ترتقي مع كل خطيب يعتلي أعواده الى هذا المستوى المرموق ، بيد ان الصحيح ايضا ان هذه الحالات المتدنية محكومة بالتخلف عن الصورة المثالية للمنبر ، وعلى خطبائها ان يبذلوا جهدهم للارتقاء بمنابرهم (38) . يقول الإمام الخميني بصدد بلورة وتحديد وظائف خطبا المنبر الحسيني ( في ايران كنموذج ) وذلك من خلال بيان مكتوب أصدره سماحته لهم : ( على الخطباء المحترمين وأصحاب المنابر ان يدعوا الناس الى وحدة الكلمة وادامة الثورة ، والتقوى والصبر الثوري ) ثم يضيف سماحته مواصلا : ( وبذكر جهاد سيد المظلومين ( الإمام الحسين ( عليه السلام ) والمصائب التي نزلت به ، يدعو ( الخطيب ) الناس الى الجهاد حتى النصر النهائي ، والوصول الى الحكومة الإسلامية في كل أبعادها ) (39) . هذا الطريق للمنبر الحسيني لا يعطي ضمانة للحياة الإسلامية الراهنة وحسب ، بل يمنح ضمانة أيضا للاستمرار على الخط الإسلامي مستقبلا ، حيث يقول الإمام في ذلك : ( ان ذكر جهاد وتضحيات مجاهدي الإسلام الأوائل ، لا يحافظ على الإسلام اليوم فقط ، بل ويحافظ على حياة الإسلام الى الأبد ) (40) . وعن وظيفة المنبر في المواكبة يحث الإمام الخطيب على ان يكون منبره في صميم الأحداث الجارية وقلبها ( في هذه الاجتماعات ( المأتم ) التي تتم في شهري محرم وصفر ، وفي سائر الأوقات الأخرى ، يجب على المبلغين الأعزاء والعلماء الأعلام والخطباء الأجلاء ان يتحدثوا عن قضايا اليوم ، من مسائل سياسية ، واجتماعية ،وان يعينوا للناس تكليفهم ، في مثل هذا العصر الذي ابتلينا به ، بكل هؤلاء الأعداء ) (41) . هذا التوجيه من الإمام ، لم يكن توجيها نظريا مجردا وحسب ، وإنما هو بلورة وصياغة نظرية لما هو عليه المنبر الحسيني عمليا في جزء مهم من مدرسته في إيران ، وبلاد المسلمين الأخرى ، حيث عرف الخطيب والمنبري كيف ينهض بمسؤوليته إزاء الأمة على هذا الصعيد . لقد كان المنبر الحسيني ومجالس العزاء في إيران كمثال : ( تقف إمام الحكومات المتسلطة التي كانت تهدف الى محو الإسلام من الأساس ، والى ابادة علماء الدين ) (42) . ودور المنبر الحسيني في التحريض والإفشاء السياسي يخدم جميع الفئات الاجتماعية ، خصوصا الفئات الأمية المحرومة ، والعاملة التي انهكها العمل اليومي ولا مجال لها في بناء وعيها السياسي من خلال المطالعة والدرس والتأمل فالمنبر يتماس مع قاعدة جماهيرية عريضة ، ويوفر للمحرومين والمستضعفين وسواد المجتمع روافد وعي سياسي اجتماعي ثري ، وفي الوقت نفسه لا يحرم من استقطاب الفئات المفكرة والمتعلمة والمثقفة اذا قدر للخطيب ان ينهض بمنبره الى مستوى مجتمعه . وحين نقول ان المنبر يمارس دوره في التحريض والإفشاء السياسي (43) ، لا نعني انه يمارس دعاية سطحية تهدف الى تحفيز نفسية الجماهير وتهييجها ، وبناء كتلة شعبية مندفعة لا يقوم سلوكها على أسس شرعية وموضوعية ( عقلانية ) واضحة ، كما تذهب لذلك بعض الاتجاهات في علم النفس الاجتماعي ، وهي تدرس نفسية ( سايكولوجية ) الجماهير في ضوء فرضياتها الخطيرة (44) . وإنما يهدف المنبر الحسيني ، الى ان يمارس من خلال محتواه ، تربية سياسية ، تستند الى الحسين إماما عادلا ورمزا لمواجهة الظلم ومجابهة الطغيان ، وعلامة كبيرة وضاءة على ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لإصلاح الأمة ثم تنضم العناصر الأخرى ، من حاجة المجتمع الى بنا وعيه السياسي ، ومواجهة أوضاعه في كل عصر . وبهذا يختلف الجمهور الحسيني الذي يصنع برعاية المنبر وبقية الشعائر الأخرى ، عن ظاهرة الجمهور الهائج غير العقلاني ، وذي النزعة التخريبية الذي تتحدث عنه الدراسات الحديثة وأقدمها دراسة غوستاف لوبون (45) . من هذه الزاوية بالذات ، يسجل الإمام للمنبر الحسيني ومجالس العزاء الأخرى دورها في العمل السياسي داخل المجتمع الإيراني كمثال فالمنبر ومجالس العزاء والمواكب ، هي التي صنعت وفجرت انتفاضة 15 خرداد ( عام 1936م ) في ايران ، هذه الانتفاضة التي يعتز بها الإمام الراحل كثيرا ، كونها شكلت الأساس للانتصار الإسلامي الشامل في شباط 1979م وفي ذلك يقول (ره) : ( لا تحسبوا انه كان بالإمكان ان تحدث انتفاضة الخامس عشر من خرداد ، يوم بداية المواجهة الحاسمة مع النظام المقبور ، لو لم تكن مجالس العزاء هذه ، ومواكب العزاء الحسيني ، اذ لم تكن ثمة قدرة تستطيع صنع انتفاضة 15/ خرداد ، بذلك الشكل الذي صنعته دماء سيد الشهداء ) (46) . والمنبر الحسيني ، كان له الدور الفاعل في انتصار الثورة الإسلامية في شباط/ 1979، من خلال تعاضد معطيات مراسم الاحياء الأخرى ، ويكفي ان الثورة قد اشتهرت بأنها ثورة المنبر والعمامة والكاسيت ، وكلنا يذكر دور مسيرة تاسوعاء وعاشوراء ، في عطف مسار الثورة نحو الانتصار . الإمام يؤكد باستمرار أهمية مراسم الاحياء الحسيني وقودها الى الانتصار : ( لو لم تكن مجالس الوعظ والخطابة ومواكب العزاء ومجالس المأتم هذه ، لما كان بلدنا قد انتصر ) ثم يضيف سماحته الى ان الانتصار قد تم تحت راية الحسين : ( لقد نهض الجميع تحت راية الإمام الحسين سلام الله عليه ) (47) . وفي مكان آخر يقول (ره) : ( ان الانفجار [ الذي شهده المجتمع الايراني وقاده الى الانتصار ] قد تم ببركة المجالس الحسينية التي عمت البلد ، فقد استطاعت ان تجمع كافة الناس حول بعضهم بعضا ، وتسوقهم نحو نقطة واحدة ) (48) . لقد مضى المنبر الحسيني يمارس دوره في بناء الداخل ومواجهة التحديات التي داهمت الثورة الإسلامية بعد الانتصار ، وقد برز دور المنبر والمأتم الحسيني مميزا وضاء في تصليب الجبهة الداخلية ، وشد صفوف المقاتلين المجاهدين في جبهات القتال ، اثنا مواجهة عدوان السنوات الثمان . وفي خلاصة قول ، في قيمة المنبر الحسيني وثمرته ، يخلص الإمام الراحل لتقدير هذه الحقيقة : ( لم يكن بإمكان أية قدرة إحباط جميع المؤامرات التي حاكتها القوى الكبرى ضد هذا الشعب ، الذي أصبح هدفا للهجوم من كل الجبهات غير قدرة مجالس العزاء هذه ) (49) . البعد الاجتماعي لمراسم الاحياء الحسيني : يعتقد الامام الخميني ان مجتمعاتنا الإسلامية لم تعط بعد مجالس العزاء الحسيني وأشكال الاحياء الأخرى قيمتها الحقيقية ، وهي من ثم مازالت محرومة من عطاياها الاجتماعية وثمارها السياسية يقول (ره) : ( ان مجالس العزاء هذه لم تعط قيمتها في جميع أنحاء العالم ) وبعض أسباب ذلك تعود الى غفلة المجتمعات الإسلامية عن المعطيات السياسية والاجتماعية لهذه الشعائر لذلك دأب الامام الراحل في نصوصه العاشورائية ، على ان يشير الى بعض المعطيات الاجتماعية التي حققها المسلمون على قدر انفتاحهم على الشعائر الحسينية . وقضية المراسم والشعائر الحسينية ينظر اليها اجتماعيا من خلال عدد وفير من مستويات البحث الاجتماعي اولها ما يدخل في مفهوم التنظيم الاجتماعي الداخلي ، اذ لا ريب ان هذه الشعائر أمدت الشيعة بإمكانات كبيرة على تنظيم صفهم الداخلي وتوفير عناصر التماسك في الجماعة (50) ثم هناك المعطيات الاجتماعية لممارسة الشعائر على مستوى البناء الاجتماعي ، وعلى مستوى ما توفره من إمكانات لقضية التغيير الاجتماعي (51) ، مضافا الى المعطيات الخصبة التي تساهم بها ( العلاقات الشعائرية ) (52) التي تنتظم الجماعة التي تمارس الشعائر الحسينية ، أو تلك الفئات الاجتماعية التي معها. ومن مستويات البحث الاجتماعي ، المقارنة بين الجمهور الحسيني ( الحسينيين ) او الجماعة التي تمارس الشعائر الحسينية ، وبين الفرضيات التي يقوم التحليل الغربي لظواهر الجمهور، الجماعة ، السلوك الجمعي وغير ذلك ، في علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي وحينئذ سنلمس فوارق كبيرة جدا ، تكشف لنا خطل بعض الباحثين وهم يصممون بحوثهم للمجتمع الإسلامي وممارساته الشعائرية على أساس فرضيات العلم الغربي ، ويستلهمون معاييره ويطلقون نتائجه دون نقد وتمحيص ،على أوضاعنا الاجتماعية وممارساتنا الشعائرية والدينية عموما (53) . وثمة ملاحظات قبل ان ندخل في فقرات البعد الاجتماعي ، نشير فيها الى ان تأكيد نصوص الإمام والورقة هذه تبعا لها على المحيط الشيعي أكثر من غيره ، لا يعود الى ان قضية الحسين السبط ( عليه السلام ) هي قضية الشيعة وحدهم ، وانها منحصرة بهم ابدا ، وانما يعود السبب الى ان الشيعة امسوا تاريخيا وما زالوا أوثق صلة من غيرهم من بقية المسلمين بالاهتمام بقضية الحسين ، واحياء ذكراه ، واحتضان شعائر سيد الشهداء . والا فقضية ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه واله ) هي قضية إسلامية عامة ، يسع نورها الجميع ، بشرط ان يتهيؤا للانفتاح عليها . والان نعود الى نصوص الإمام التي نرى إنها تشير الى البعد الاجتماعي في الشعائر الحسينية ، من خلال الخطوط العريضة الاتية : أولا : تحويل الأقلية الامامية الى كتلة اجتماعية فاعلة : امتلكت مجالس العزاء وسائر الشعائر الحسينية ، الكثير من العناصر اللازمة لتحويل الأقلية الشيعية الى كتلة اجتماعية فاعلة قادرة على تنظيم شؤونها الداخلية والحفاظ على لحمة تماسكها أمام التحديات التي واجهتها وتواجهها ومن خلال عناصر وحدتها وتماسكها وتنظيمها ، التي وفرتها لها مأتم السبط الشهيد ( عليه السلام ) استطاعت هذه الطائفة الإسلامية اداء دورها والقيام بمسؤوليتها . لقد منحت مأتم الحسين ( عليه السلام ) هذه المجموعة لونا متسقا واحدا ومكنتها من السير وراء راية واحدة تصلها بلواء التوحيد يقول الامام الخميني في التعبير عن هذا المعطى وقيمة العزاء الحسيني في توفير أساس التنظيم الاجتماعي لصفوفها : ( ان اجتماع الناس تحت ظلال هذا العلم الإلهي ، هذا العلم الحسيني هو الذي يوفر أساس هذا التنظيم ) (54) . ولو قدر للباحثين ان ينفتحوا على القوة الهائلة التي تختزنها الشعائر الحسينية ، وكيف انها استطاعت ان تغذي المسار الشيعي بالشكل الذي تحوله الى قوة اجتماعية فاعلة ومؤثرة ، لامكن بلوغ نتائج غنية على صعيد خصوصية البحث الاجتماعي الإسلامي ، خصوصا مع ما لممارسة هذه الشعائر من سعة وامتداد زمنيين (55) . ثانيا : الوحدة وحفظ الهوية : يحتاج النسيج الاجتماعي الموحد لاية فئة أو مجموعة الى هوية تشكل مضمونه ، والى إطار تشده ويبقي عليه متماسكا إزاء التحديات وعوامل التحلل والامام الراحل يرى في الشعائر الحسينية فضيلة اداء هذا الدور ، على صعيد الأمة الإسلامية كافة ، التي عاشت عطاء المأتم الحسيني ، ومنحت الحياة مجددا بتضحيات سبط رسول الله ( صلى الله عليه واله ) . ربما لم يشعر المسلمون عامة بقيمة العزاء الحسيني في الحفاظ على هويتهم ووحدة انتمائهم والدفاع عنها مقابل التحديات ، وربما كان مرد بعض ذلك الى تركز المسؤولية في جانب الاحياء والاستمرار بخط الحسين سيد الشهداء ، على فئة منهم هم الشيعة الامامية الذين عاشوا قضية الحسين بحماس أعلى ، ووعوا دور المأتم والشعائر بمسؤولية اكبر ، فقطفوا ثمار ذلك وضوحا في هويتهم ، وتماسكا في نسيج انتمائهم الاجتماعي ، ولكن رغم ذلك نحسب ان أجواء النهضة الإسلامية المعاصرة تسمح بفرص اكبر لاستفادة المسلمين قاطبة من عطاء الحسين سبط رسول الله ( صلى الله عليه واله ) يقول الامام في وصيته معبرا عن هذا الجانب : ( وعلينا ان نعلم جميعا بان هذه المراسم السياسية ( مراسم العزاء الحسيني ) هي التي أوجدت الوحدة بين المسلمين ، وحفظت هويتهم لا سيما شيعة الأئمة الاثني عشر عليهم صلوات الله وسلامه ) (56) . من الواضح ان الامام الراحل ، يصدر في هذا النص وهو آخر ما تركه لنا من مسؤولية عليا في الحرص على المسلمين جميعا ، ودعوتهم للانفتاح على عطايا وثمار أحياء ذكرى سيد الشهداء ( عليه السلام ) . اما على صعيد الشيعة وتعميق الهوية ، فيمكن ان ننظر الى المسالة من زاوية نفسية اجتماعية تجعلنا نقيم على صورة أفضل الدور التاريخي الذي مارسته الشعائر الحسينية في ترسيخ هوية الشيعة وتعميق انتمائهم وولائهم لأهل البيت ( عليه السلام ) والزاوية التي نعنيها هي نزوع الإنسان الى الانتماء الاجتماعي بالشكل الذي يكون الأخير حاجة نفسية غريزية وعليه مثلت الشعائر الحسينية والعلائق التي تبثها بين المجتمعين إطارا ممتازا للانتماء الاجتماعي في إطار تنظيم كتلة واحدة ، بحيث يعود هذا الانتماء بعوائد ثمينة على مستوى الفرد الشيعي الذي اخذ يشعر بهويته الاجتماعية على نحو أفضل . واذا أضفنا الأوضاع السياسية السيئة والإرهاب العنيف الذي كان يمارس ضد الشيعة تاريخيا، فان الحاجة الى الانتماء واثبات الهوية في إطار الجماعة ، سيتضاعف وتزداد الحاجة اليه ، في إبداء تفاعل وشد اكبر بين أفرادها (57) . وفي إطار حالة كهذه تتحقق الكثير من الفوائد التي تنتج عن التفاعل وسهولة التاثير ، كما حصل وما زال يحصل بقوة الشعائر الحسينية . ومن مظاهر الوحدة ومصاديقها التي تقوم الشعائر الحسينية بصوغها،هي المساهمة في ايجاد السلوك الجمعي ، من خلال الندب المؤكد لاحياء شعائر الحسين على نطاق واسع وعام (58) . وما نلاحظه في الجماعة الحسينية كونها مظهرا من مظاهر السلوك الجمعي الإسلامي ، هو عين ما نلاحظه في الشعائر الأخرى كالحج وصلاة الجمعة والجماعة مثلا ففي المراسم الحسينية يلتقي الجميع من دون نظر الى المواقع والمراكز الاجتماعية ، ففي هذه المراسم الغني والفقير، والحاكم والمحكوم والعربي وغير العربي ، ينتظمهم شعار حب الحسين سلام الله عليه . ثالثا : صياغة المجتمع : لقد كان وما يزال للشعائر الحسينية ومراسم الاحياء المختلفة دورها الكبير في بناء المجتمع الإسلامي وصياغته بحيث يعي مسؤوليته ، ويعيش روح اليقظة والانتباه ازاء الظلم والانحراف هذا البعد يتحدث عنه الامام الخميني بقوله (ره) : ( انها مجالس العزاء الحسيني ، ومجالس الدعاء ، ودعاء كميل ، وسائر الأدعية الأخرى ، التي صاغت مجتمعنا بهذه الكيفية ) (59) . من هذه النقطة يمكن الانطلاق لإيجاد علاقة وثيقة بين الشعائر الحسينية وبين الوضع الاجتماعي فمن جهة تساهم الشعائر الحسينية وهي تمارس في اطار جماعي ببناء السلوك الاجتماعي للمجتمع بشكل عام وحين نأخذ بنظر الاعتبار الخصائص التي تنطوي تحتها الجماعة الحسينية ، فلا ريب ان معطياتها ستصب ايجابيا وتساهم بفاعلية في بناء سلوك اجتماعي مستقر ومتوازن . كما تساهم الجماعة الحسينية في إنماء خاصية التفكير الجماعي ، وهذا التفكير يرى فيه احد الباحثين بديلا من خاصية ( العقل الجمعي ) الذي تتحدث عنه الدراسات الغربية في بحث السلوك الجمعي . وعلينا ان ننتبه الى انه لا السلوك الاجتماعي ولا التفكير الجماعي ، اللذان تصوغهما الشعائر وتمارسهما الجماعة الحسينية ، يلغيان الفرد ويسحقان خصوصيته أو يجمدان مسؤوليته الفردية فهو يمارس السلوك الاجتماعي ويساهم في التفكير الجماعي ، ويبقى في الوقت نفسه ، إنسانا مسؤولا مسؤولية فردية عن أعماله ونواياه وتفكيره وهذه نقطة افتراق مهمة جدا مع فرضيات العلم الغربي للسلوك والتفكير الجماعيين (60) . وعليه فان المحاذير التي تسجلها الدراسات الغربية للجمهور حين تسم سلوكه باللاعقلانية وتفترض نزوعه الى التخريب وممارسة العدوانية ، لا مسوغ لها في الجمهور الحسيني ومن ثم لا يمكن للمجتمع ان يخشى هذا الجمهور مهما اتسعت رقعته . وعدم الخوف من آثار سلبية للجمهور الحسيني كالتي تفترضها البحوث الغربية ، مرده أولا الى بقاء الفرد مسؤولا عن أعماله حتى وهو في اطار السلوك الجماعي ويعود ثانيا الى ان مظاهر الاحياء الحسيني التي تمارسها الجماعة الحسينية : 1ـ ترتكز الى خلفية عقيدية تشريعية . 2ـ هي مؤطرة بضوابط شرعية تعبدية . 3ـ ومن ثم ، هي ممارسة عقلانية تنطلق من هدف وتسعى لغاية . 4ـ العاطفة فيها ليست سائبة ، والحركة ليست صاخبة مفتوحة ، حرة من كل قيد . في مستوى جديد يدخل في نطاق هذا المعطى في البعد الاجتماعي ، نجد للشعائر الحسينية مدخلا مهما فاعلا الى قضية التغيير الاجتماعي في المجتمع الإسلامي فالتغيير يضحى أكثر سهولة عبر حالة التفاعل والتأثير التي تنتج من العلاقات الشعائرية بين الحسينيين أنفسهم وفي أوساطهم ، وفي وسط المجتمع الذي يعيشون فيه ايضا (61) . رابعا : روح التضحية والفداء : أول سمة في المجتمع الإسلامي المفعم بروح الحسين ( عليه السلام ) هي ميله نحو التضحية والفداء ولذلك حفلت مسيرة التشيع بحكم قربها من الحسين وصلتها بابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه واله ) بمواكب التضحية في كل بقعة من بقاع العالم الإسلامي عاشت قضية الحسين ، وأحيت ذكراه (62) عن ايران يتحدث الامام الراحل بقوله : ( مجالس العزاء والمواكب الحسينية والمأتم ، قد ربت شبابنا على الذهاب الى جبهات الحرب وطلب الشهادة والافتخار بها ، حتى بات شبابنا يتألم اذا لم يوفق للشهادة وهذه المجالس ربت أمهاتنا على ان يضحين بأبنائهن وجعلتهن مستعدات لتقديم باقي أولادهن ) (63) . نصوص الامام مستفيضة في هذا الجانب ولا مجال لاستعراضها تفصيلا . خامسا : شعب حماسة وثورة : تفتقر بعض الرؤى المتغربة أو التي تصدر من فهم سطحي متحجر وضيق للشعائر الحسينية ، الى البصيرة الكافية التي تؤهلها لإدراك التأثير العميق الذي تتركه مجالس العزاء الحسيني على روحية الشعب ونفسيته . لذلك لا تجد هذه الفئات في احياء ذكرى الحسين سيد الشهداء ، الا ان تسم شعوبنا بانها شعوب بكاة لا يترك الامام المجال لهذه الحفنة كي تعبث بقيمنا حين تصف الشعب الايراني كمثال ، بانه شعب بكاء ، اذ يقول (ره) : ( بل نحن شعب حماسة ) (64) والحماسة الحسينية هي التي أبقت الشعب حيا يقظا ثوريا ، حيث يعود الامام ليعبر عن هذه الحالة بقوله : ( على شعبنا ان يعي قيمة هذه المجالس التي تحتفظ بالشعب حيا ثائرا في أيام عاشوراء ، وفي جميع الأيام ) . ومع تكاثف المعاني السياسية للشعائر الحسينية في عصور التاريخ وفي عصرنا الحاضر ، من الغريب ان يشطب احد المؤلفين بالقلم على كل هذا ويكتب عن المجالس الحسينية : ( ونسي القائمون بمجالس الحسين مهمة المعارضة ، واقتصر خطباؤها على سرد الروايات الضعيفة بأصوات شجية ،محاولين بها فتح الأجر للمتباكين ، مكتفين بمنثور ومنظوم لا يوجهان لمعنى سياسي مفيد ) (65) . تضم هذه الأسطر الكثير مما يمكن ان يناقش ، ولكن حسبنا زعمه بافتقار المجالس الحسينية الى البعد السياسي ، فهل من الصحيح نسبة هذه التهمة الى الشعائر الحسينية ، وهذا التاريخ الحديث والمعاصر ، يسجل لوحده وقائع ناصعة حيث انطلقت ثورات وانتفاضات باسم الحسين ومن خلال شعائره ؟ . لقد اشرنا فيما مضى الى نصوص الامام التي تحلل المغزى السياسي للبكاء ومجمل المراسم العاشورائية ، ويعجبنا ان لا ننهي هذه الفقرة ، الا بان نذكر المعترض الباحث عن المعنى السياسي المفيد للمجالس الحسينية بنص للامام الراحل ، يقول فيه بالحرف : ( على السادة الخطباء وأئمة الجمعة والجماعة ، ان يوضحوا للناس ، حتى لا يظن إننا شعب بكاء نحن امة استطاعت بهذا البكاء ، ان تزيل من الوجود قدرة ( إمبراطورية ) عمرها ألفين وخمسمائة عام ) (66) . سؤال : هل ثم معنى سياسي يفوق هذا الانجاز ؟ . سادسا : الطابع التلقائي في التنظيم الحسيني : تؤسس مجالس العزاء الحسيني في البيئة الشعبية للمسلمين ، لتنظيم فعال وتلقائي ، تحتشد فيه الجماهير والقواعد الموالية دون جهد كبير ، وتتمركز طاقاتها في نقطة واحدة ، لاداء وظائفها في مواجهة الظالمين والثورة على المنحرفين يعبر الامام الراحل عن هذه القيمة الحركية الممتازة للمأتم الحسيني بقوله (ره) : ( تخشى القوى الكبرى هذا التنظيم ( الحسيني ) الذي ينتظم بدون ان يكون لأحد فيه يد ، فالناس تتجمع والأمة تتعبأ تلقائيا في مختلف أرجاء بلد واسع ففي أيام عاشوراء وفي شهري محرم وصفر ، وفي شهر رمضان ، تنهض مجالس العزاء هذه بمهمة جمع الناس بعضهم حول بعض ، واذا ما أريد خدمة الإسلام ، واذا ما أراد احد ان يشرح موضوعا يخدم الإسلام ، يكفي لكي ينتشر هذا الموضوع ، ان يصل الى الخطباء وأئمة الجمعة والجماعات ، كي يبث مرة واحدة في جميع أنحاء البلاد ) (67) ثم يضيف سماحته مباشرة مشيرا الى مرتكز هذا التنظيم الشعبي العظيم ، بقوله : ( ان اجتماع الناس تحت ظلال هذا العلم الإلهي ، هذه الراية الحسينية ، هو الذي يوفر أساس هذا التنظيم ) (68) وقضية كون الشعائر تمارس صوغ تنظيم شعبي ، كما تفيد في الجانب السياسي والتحريكي ، فهي ايضا تتمتع بفوائد اجتماعية جمة اي سيكون لهذا التنظيم فضيلته النفسية من خلال تصليب الجماعة وشدها، والحركية من خلال بث الوعي والأفكار التي يراد توصيلها الى الجماعة والى المجتمع عموما، والتغييرية من خلال تيسير ممارسة التغيير الاجتماعي . هذه المعطيات في الجهات الثلاث كما يؤيدها المسار التاريخي للشعائر ، وممارستها في الوقت الراهن ، فهي تلقى سندا لها ايضا من الطرائق الحديثة في بث الأفكار وتغيير القناعات وممارسة التغيير الاجتماعي (69) . فإذا أردنا ان ننطلق من الفكرة التي تقول ان : ( الأفراد لا يوجدون ككتلة من الوحدات التي لا رابط بينها ، بل انهم أعضاء في تنظيم اجتماعي ) (70) ، فحينئذ ستكون الجماعة الحسينية هي إحدى صيغ هذا التنظيم وقد يكون الخطباء والممارسون للمأتم هم دعاة التغيير في وسط الجماعة الشعائرية ، وفي الوسط الاجتماعي الذي تنبثق فيه الجماعة الحسينية ودعاة التغيير هؤلاء سيكونون جسرا في بث الأفكار الإسلامية ومبادئ النهضة الحسينية ، وتوعية الجمهور على الواقع المعاش ، في وسط التنظيم الذي خلقته الشعائر . يبذل قادة التغيير السياسي والاجتماعي في الوقت الراهن جهودا ضخمة لإيجاد تنظيمات اجتماعية يعملون من خلالها اما نحن فنملك من خلال التنظيم الذي تخلقه الشعائر الحسينية أطرا تنظيمية اجتماعية لا تكلفنا شيئا إطلاقا لذلك ان الجماهير تملك الدافع الذي يقودها للاجتماع في المجالس الحسينية ، وما هو مطلوب ان تتوفر اللياقة الكاملة من الخطباء وهم دعاة التغيير ، في استثمار التنظيم الحسيني . لذلك خشيت الأنظمة التابعة والقوى الكبرى فعالية العزاء الحسيني لما يوفره من أسس حركية مؤثرة في رص صفوف الأمة وتعبئتها وتوجيهها ضد الظالمين والذي زاد من خشيتها ، ومن بعد ذلك تصميمها على ضرب مؤسسة العزاء الحسيني ، هو فشلها في تأسيس وسائل موازية لهذه الوسيلة الفعالة في جذب الناس واستقطابهم اليها ، وتحريكهم في مواردها فاذا : ( ما أرادت القوى الكبرى ان تعقد اجتماعا في منطقة من مناطقها فانها تحضر لذلك أياما أو عشرات الأيام ، وتبذل جهودا كبيرة ، حتى يأتي الناس ليصغوا الى ما يريد ان يتحدث به المتحدث أو الخطيب ) و( لكنكم في المقابل تشاهدون كيف يجتمع الناس في مجالس العزاء الحسيني ، وكيف انها تثير الناس وتعبئهم ، وتوثق عرى اللقاء بينهم ، بمجرد ان يستجد ظرف معين في البلدة ، بل وفي جميع أنحاء البلاد ، وكيف ان جميع طبقات الناس ، وجميع المعزين لسيد الشهداء ، يحتشدون ، ولا يحتاج في جمعهم الى بذل اية جهود أو إعلام ) (71) . لذلك يخلص الامام للتعريف بقيمة وفعالية الاجتماع الشعبي الناشئ من المأتم الحسيني ، بقوله : ( ان هذا الاجتماع في ظلال علم واحد، وفي ظلال فكرة واحدة ، لا تستطيع اية جهة تحقيقه أو التأثير فيه ، كما تحققه وتؤثر فيه مجالس عزا سيد الشهداء ( عليه السلام ) (72) . النزعات التشكيكية : ثلاثة تيارات في الامة هي التي تثير الاسئلة حول الشعائر الحسينية واحيانا تشكك بجدوى المأتم الحسيني ، ربما ايضا شككت بمشروعيته الدينية . نصوص الامام (قده) تابعت هذه التيارات ، وناقشت دعاواها بقدر يختلف من تيار الى آخر واذا شئنا ان نتابع هذه التيارات من خلال مصاديقها ، فستكون أمامنا الفئات الثلاث الاتية : 1ـ شرذمة ضالة تصدر عن فهم جاهل خرافي للإسلام كما يعبر الامام الراحل تتمثل بالوهابية وأنصارها . 2ـ فئات المتعلمين وبعض المثقفين من ابناء المسلمين الذين يصدرون في أسئلتهم اما عن جهل بمقاصد الشعائر الحسينية أو بتأثر بالنزعات التغريبية التي اخترقت المجتمعات الإسلامية ، وأثرت على نحو فاعل بالمتعلمين والمثقفين . 3ـ فئة الدارسين الذين يمارسون عملية البحث والتأليف ، اذ اخذ بعض هؤلاء وفيهم من أبناء المسلمين والمستشرقين المهتمين بأوضاع العالم الإسلامي وتحولاته الاجتماعية والسياسية يمارسون بحوثهم وفق قواعد المنهج الغربي في دراسة الدين وظواهره ، ويخلصون من ثم الى نتائج غربية . فيما يتعلق بالتيار الأول والوهابية وأنصارها أوسع مصاديقه لم يطل الامام الراحل النقاش معهم ، وانما قرن لعنهم في وصيته مع لعن آل أمية وظلمة التاريخ ، حيث لم يجد النقاش مع عقول ضيقة متحجرة مأنوسة بتكفير المسلمين والتشكيك باعتقاداتهم الحقة . اما الفئة الثالثة فقد مرت اشارات في ثنايا الموضوع الى مناهجها وتطبيقاتها الفكرية ، فلا نعود اليها مجددا خوف الإطالة . يبقى التيار الثاني من الفئات المتعلمة والمثقفة ، حيث لاحظنا الامام الخميني يطيل الوقفة مع هؤلاء ، ربما طمعا بإعادتهم الى الصف الاجتماعي السوي ، وربما لكونهم العنصر الأكثر خطرا ، بحكم مواقعهم الاجتماعية ودورهم في التغيير الاجتماعي . يمكن ان يقال ان اغلب أحاديث الامام حول عاشوراء ومراسم الاحياء الحسيني ، تضمنت إشارات واسعة لهؤلاء المتأثرين بالغرب ، عساهم يعودون الى جلدهم ويفكرون مجددا بعقولهم لا بعقول الآخرين يعرض سماحته ، في نص مباشر ، لأحد شبهاتهم ، فيقول : ( قد يصفنا المتأثرون بالغرب ، بأننا شعب بكاء ، لأنهم قد لا يسعهم فهم الثواب الكبير الذي يمنح مقابل الدمعة الواحدة ، انهم لا يدركون الثواب الكبير الذي يمنح لمجلس العزاء الحسيني ) ثم يضيف سماحته بعد فقرات : ( واذا ما فهم الملوثون بالثقافة الغربية ، وأدركوا المغزى في مجالس العزاء هذه ، والسبب في هذا البكاء ، ولماذا لها كل هذا الثواب والأجر عند الله سبحانه وتعالى ، عند ذلك لا يصفوننا بأننا شعب بكاء ، بل شعب حماسة ) (73) . وبصدد جهل بعض الفئات المثقفة في الأوساط الإسلامية لبواعث الشعائر الحسينية ، وأهدافها السياسية والاجتماعية ، فضلا عن قيمتها العبادية ، يلفت الامام نظر المثقفين الى ضرورة توفرهم على دراسة هذه الشعائر وتملي معطياتها، فيقول : ( اذا كان مثقفونا قد أدركوا قيمة هذه المجالس ( الحسينية ) وهذه الأدعية ، وفهموا مغزاها السياسي والاجتماعي ، لما اعترضوا على القيام بها ) (74) . ثم يعود مرة أخرى الى المتغربين الذين نشطوا في بداية انتصار الثورة الإسلامية ، وحاولوا مع [/
الشعائر الحسينية لمحات في أبعادها السياسية والاجتماعية