منتديات قرية الطريبيل
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات قرية الطريبيل

إسلامي - علمي - تربوي - ثقافي- مناسبات - منوعات
 
الرئيسيةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الإصلاح والتغيير وأبعاد الحركة الحسينية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الإدارة
عضو ذهبي ممتاز
عضو ذهبي ممتاز
الإدارة


الجنس : ذكر
عدد الرسائل : 6362
تاريخ التسجيل : 08/05/2008

الإصلاح والتغيير وأبعاد الحركة الحسينية Empty
مُساهمةموضوع: الإصلاح والتغيير وأبعاد الحركة الحسينية   الإصلاح والتغيير وأبعاد الحركة الحسينية Emptyالجمعة يونيو 29, 2012 7:41 am

الإصلاح والتغيير وأبعاد الحركة الحسينية

السيد إبراهيم أمين السيد

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين.

والصلاة والسلام عليك يا سيدي ويا مولاي يا أبا عبد الله، السلام عليك وعلى جدك وأبيك، وأمك وأخيك، وعلى الأئمة المعصومين من ذريتك وعلى المستشهدين بين يديك ورحمة الله وبركاته. وعظم الله أجورنا وأجوركم بمصاب أبي عبد الله الحسين عليه السلام .

الثورة الحسينية تفيض بالمعاني الإلهية
في كل سنة تستوقفني الثورة الحسينية، وأشعر بأنني على موعد جديد معها، وبشوق ووحاجة عميقة إلى أن أقرأ، وأبحث، وأفهم، وأعي، أبعاد هذه الثورة المباركة.
وفي كل سنة يوفقني الله (سبحانه وتعالى) لدراسة ثورة كربلاء، دراسة تعطي فكراً ورؤية متجددتين. فهذه الثورة مهما أُمعن فيها قراءة وتنقيباً وبحثاً وتأملاً، فإن المجال يبقى مفتوحاً لقراءات جديدة، ولاستخلاص رؤى وعبراً جديدة.
لذلك، أدعو ـ بداية ـ إلى تناول الثورة وقراءتها قراءة فكرية، وثقافية، وسياسية، وتاريخية دقيقة جداً، كما أدعو إلى قراءة خلفياتها، وأبعادها، ومضامينها. إذا استطعنا أن نستجمع ذلك، وأن نخلص إلى نتائج محددة، وأن لا يكون الهدف الأساسي والنهائي لإقامة المجالس هو الإبداع في وسائل البكاء فقط، لأن هناك الكثير من الإخوة القرّاء (أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقهم لخدمة الإسلام والمسلمين) يتقنون فن الإبكاء، وفن وسائله، فيحشدون


له أشعاراً وأدبيات معينة.
قبل ثلاثة أو أربعة أشهر من ثورة كربلاء حصلت أحداثاً، وسُجلت مواقف ومشاهد، وتليت خطب كلها ترى أن هذه الثورة ليست وليدة ساعتها، بل هي حصيلة مسار تاريخي، وتسلسل خطير من الأحداث، وحفظت لنا في نصوص محددة: سياسية، عقائدية، وتربوية، تعبر عن كامل مضمون الثورة وأبعادها.
الملاحظ هنا أن القراء حريصون على تثقيف الأمة على هذه الأحداث أو على هذه المواقف، فالقارئ تارة يقرأ نصاً، وتارة يأتي ببيت شعر منظوم أو بلغة عامية.
إلاَّ أن الناس لا تخرج بدراية فعلية لما حصل في كربلاء. هذا موضوع فيه نوع من الإستهانة بكربلاء والحسين عليه السلام ، والإستهانة بشيعة الحسين عليه السلام ، لذا المطلوب أن ننتبه قليلاً لهذا الموضوع، وأن نحاول قراءة ودراسة واقعة كربلاء بدقة.
إن بعض من يحضر المجلس العاشورائي يحضر للحصول على الأجر والثواب ، لكن على البعض الآخر الاعتناء بدراسة الثورة، لتثقيف المجتمع، نشر الوعي والمعرفة بأبعاد الثورة الحسينية.

منطلقات الحديث عن التغيير
بناءً على هذا، سأحاول في هذا اللقاء أن أطرح بعض النصوص المركزية التي وردت على لسان الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، والتي يفترض أن تحفظ غيباً لأهميتها:
يقول عليه السلام ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "من رأى منكم سلطاناً جائراً مُستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ولم يغير ما عليه من قولٍ أو فعل فكان حقاً على الله أن يدخله مُدخله، ألا وأن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفي‏ء، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلال الله، وأنا أحق بهذا الأمر ممن غير". وفي مورد آخر، يقول عليه السلام : "ومن أحق بالتغيير مني، وأنا الحسين بن علي ابن فاطمة بنت محمد نفسي مع أنفسكم، وأهلي مع أهليكم وأولادكم، ولكم فيَّ أسوة".
في موضع ثان يقول الإمام الحسين عليه السلام :


"إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق، ومن رد عليّ أصبر حتى يحكم الله بيني وبين هؤلاء القوم والله خير الحاكمين".
وفي موضع ثالث يقول الإمام عليه السلام : "ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به وإلى الباطل لا يُتناهى عنه".
هذه النصوص هي المدخل للحديث عن الإصلاح والتغيير في كربلاء وفي الثورة الحسينية.

المهمة التأسيسية للرسالة المحمدية
مرحلة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هي المرحلة الأخيرة في مسار حركة الأنبياء التي أعيد فيها التأسيس النهائي للقيم الإلهية، وللمبادئ الفكرية والفلسفية الإلهية، وللتشريعات والقوانين الإلهية، وللأخلاق الإلهية، التي على أساسها يُفترض أن يُنظّم المجتمع العالمي والمجتمع البشري.
فمرحلة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هي مرحلة الرسالة الأخيرة، والبرنامج الأخير، لبناء المجتمعات، ولبناء العالم، فمهمته ـ في البداية ـ كانت مهمة تأسيسية، يعني المصلحة الكبرى والأولى والأخيرة في حركة النبوة، في حركة الإنسان النبي، و في حركة أتباع وأنصار النبي، وفي حركة أصحابه والمؤمنين معه هي في التأسيس. مهمتهم الأساسية، والكبرى مهمة تأسيسية، بمعنى إيجاد فكرة الحق في المجتمع، إيجاد فكرة الحق في العقل الجمعي والفردي للمجتمع، وإيصال فكرة الحق إلى الإنسان، لكي يحمل المجتمع فكرة الحق التي هي فكرة الإسلام.
في النهاية هي المصلحة الأساسية، ليس هناك مصالح سياسية لحركة النبوة أو حركة أتباع النبوة تشكل عائقا أو تقف أمام هذا الهدف، لذلك كل الأمور الأخرى يجب أن تبقى جانباً لمصلحة نجاح فكرة الحق، وتأسيس فكرة الحق في الحياة، يعني المطلوب أن ينهض المجتمع على الحق، وأن تسوده رؤية الحق في الحياة، المطلوب أن يكون في المجتمع أحكام وقوانين هي تعبير عن الحق والعدالة، والمطلوب أن تنغرس في الروح العامة، والوعي العام، للمجتمع أخلاق وقيم الحق.
هذه القيم يجب أن تصل إلى الناس، وأن تحملها وتعيشها، وأن ينظموا حياتهم ومجتمعهم


على أساسها. هذا التوجه الأساس، سرعان ما سيصطدم مع برنامج الباطل، وفكرة الباطل، وقيم الباطل، وتشريعات الباطل في المجتمع. طبيعي أن يتم الصراع، وأن تحصل معركة كبرى بين فكرة الحق، وجماعة الحق، وفكرة الباطل وجماعته، طبيعي هنا أن تتصادم أفكار الحق وقيم الحق والعدالة، وأخلاق الحق وتشريعاته، مع أفكار الباطل وقيم الباطل إذا كان للباطل قيماً.
المؤسسة الاجتماعية بكل مجالاتها وتفصيلاتها ستصطدم وستدخل في معركة مع الحق. في البداية يرى المؤسس نفسه ضعيفاً وحيداً غريباً في هذا المجتمع وفي هذه الحياة، فهو يحمل لوحده فكرة الحق ويبلغها للناس، ويدعو الناس إليها، وإلى الإيمان بها، وبعد ذلك يدعو الناس إلى تطبيقها.
هنا المؤسس يجب أن يكون بحجم الحق، ويجب أن يكون بمستوى هذا الحق وبمستوى هذه الرسالة. لذلك، فالآيات القرآنية الأولى التي خاطبت الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم لم تتضمن أي مداراة أو مهادنة للباطل وما أشبه ذلك: ?يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ، قُمْ فَأَنذِرْ?،?فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْت? ،?وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ? ،?يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُك?،?وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ?، هذه الآيات هي دعوة إلى المؤسسين بأن يزرعوا معالم ومبادئ الحق في الحياة وأن يطرحوا برنامج الحق، وعلى أساسه تم تأسيس وتنظيم المجتمعات، حتى نصل إلى مرحلة من هذا النوع سيدفع المؤسس ثمناً باهظاً جداً من الغربة، والهجرة، والتعذيب، والحصار، والتهديد، إلى أبعد حدود، كأن يُرمى بالأحجار، ويوضع الشوك في طريقه، وتخاض الحروب وتحاك المؤامرات على أنواعها ضده. كل هذه الصعوبات والتحديات والمشاكل والعقبات والأخطار واجهها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كمؤسس، كإنسان يريد أن يؤسس المجتمع على أساس الحق، كإنسان يريد أن يطرح برنامجاً إصلاحياً وكمالياً للناس، فدفع مقابل ذلك ثمناً كبيراً من الجهد والشهداء والدم والتهجير والحصار والهجرة والعذاب والفقر والجوع، دُفع ثمن كبير، ولكن من دفعه؟

أفضلية المؤسسين على من سواهم

دفعه المؤسسون. لذلك، فالفارق في مستوى القيمة الإيمانية والاجتماعية والسياسية، بين المؤسسين وغير المؤسسين مطروح في القرآن الكريم، ومطروح على مستوى النصوص الإسلامية. المؤمنون الذين آمنوا قبل الفتح ليسوا كالمؤمنين الذين آمنوا بعد الفتح. قيمة المؤمنين، المجاهدين، والشهداء قبل الفتح هي قيمة تأسيسية، وهذا فضل ينالهم كمؤسسين ولا ينالوه كجماعة عاشت في مناخ الإسلام أو في مناخ الحق، أو كجماعة دخلت في الإسلام حينما انتصر الإسلام، وأصبح مناخ الإسلام هو المهيمن على الحياة العامة.
لقد تحققت المعجزة الإلهية خلال 25 سنة، استطاع الإسلام أن يتقدم وينتصر في بناء نموذج للمجتمع ينهض على أساس الإسلام والإيمان، وعلى أساس قيم الحق، والعدالة، والأخلاق. وهذا الإعجاز، وهذا النصر، تمّ بشروط معينة وبمواصفات محددة للمؤسسين، من ضمنها أنهّ لا يمكن أن تنتصر فكرة تأسيسية إذا لم يكن المؤسس يمثل أعلى وأرقى وأبهى صورة للفكرة التي يريد تأسيسها، لا يمكن أن يكون في المجتمع إنسان أفضل وأكمل من المؤسس لفكرة الحق، أو أن يكون في المجتمع إنسان يحمل الحق أكثر منه، إنسان يصبر، ويتحمل مشقات التأسيس أكثر منه. المطلوب من المؤسس أن يكون في أرقى وأبهى صورة وأعلى مستوى وأبعد مدى لمصداقية وحقانية وصدقية الفكرة فيه، هذا شرط المؤسسين، وهذا معني العصمة، وهذا معنى القدوة، وهذا معنى الأسوة.
فالمؤسسون يجب أن يكونوا بهذا المستوى، لذلك لم يختر الله ـ سبحانه وتعالى ـ لرسالته، ولتأسيس رسالته في الحياة سوى نموذج الأنبياء، والرسل، والمؤمنين الصالحين والصادقين، نموذجاً يمثل أعلى نسبة تطبيق يمكن أن يصل إليها إنسان. بكلمة أخرى، المؤسس يجب أن يمثل أعلى مدى يمكن أن تصل إليه رسالة في صورة البشر، فالفكرة يجب أن تتجلى في أعلى صورها في شخصية المؤسسين. هذا شرط.
الشيء الآخر، الذي أحب أن أقوله هنا أيضاً، أن انتصار الإسلام خاضع لشروط ولظروف ولوسائل ولإمكانيات، إذا دققنا كثيراً في الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة نتمكن من الإمساك بهذه الشروط، لكن هذا أمر صعب، لأنه يتطلب دراسة دقيقة، وشاملة، وواسعة، تتطلب وقتاً وافراً.

شروط الانتصار


ولكن مبدئياً يجب أن يهيأ المؤسسون شروط الانتصار وظروفه على مستوى التكليف والمسؤولية. نعم، هناك شروط لها علاقة بالإنسان وبالمكلفين، والنصر هو عملية استجماع لكل الشروط، ولكل الظروف، وعملية تنظيم لهذه الشروط، واستثمار لهذه الظروف المتعلقة بحركة الإنسان، والمتعلقة بحركة العدو، والمتعلقة بالظروف الزمانية والمكانية والنفسية للبشر.
فإذا لم يكن بمقدور شخص واحد أن يعي ويدرك النتائج، وإذا لم يكن بمقدوره أن يعرف أنه إذا قام بهذا العمل سيحقق نتائج محددة، فان هذا العمل سيقوم به، آخرون سواء، بعد سنتين، أو ثلاث سنوات، أو خمسين سنة، يله وحتى بعد مئة سنة.
الإنسان ليس بمقدوره أن يدرك أبعاد أدائه، أو أبعاد مسؤوليته، أو أبعاد عمله الشامل والكامل، لو فرضنا أنه يستطيع إدراك أبعاد عمله، فإنه لن يستطيع إدراك أبعاد عمل الآخرين، ولن يستطيع إدراك أبعاد عمل العدو، ولن يستطيع إدراك ظروف العدو، ولن يستطيع أن يحدد إمكانيات العدو، ولن يستطيع أن يحدد أيضاً ظروف العدو بالكامل، فالإنسان عاجز بذاته عن جمع كل شروط النصر وظروفه، فهذه العملية ليست إنسانية، وإنما عملية إلهية، خاضعة للنواميس الإلهية، وفي ضوئها تُستجمع الشروط والظروف ويتحقق النصر ?وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى?، ?وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ?، ?إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا?.
الموضوع ليس له علاقة بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أدى دوره، أدى مسؤوليته، قام بتكليفه، حقق الشرط الذي يتعلق به من شروط النصر، لكن هناك شروط وظروف أخرى، ليتحقق النصر. مرتبطة بالإرادة الإلهية، الآية القرآنية تقول:{فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ} يوجد أمر يتعلق بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن تثبت المؤمنين، وأمر يتعلق في الله تعالى :?سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ?. فإذاً النصر يخضع لشروط إنسانية، ويخضع لوسائل بشرية، يخضع لمعطيات بشرية، ويخضع لإمكانيات بشرية، لكن النصر أيضاً يخضع لمعطيات إلهية ولوسائل إلهية ويخضع لنواميس إلهية على أساسه تُستجمع الشروط والوسائل والامكانيات وتُستجمع شروط النصر ليتحقق بإذن الله.
حصل هذا النصر الإلهي في مدى 25 سنة وتغير المجتمع، وتأسس على أساس الإسلام


لدرجة أصبح قادراً لأن يجسد المجتمع، القدوة، والنموذج، والأسوة، للبشرية جمعاء بكل ما تحتاجه البشرية في مرحلة التأسيس.

الرسول ومهمة تحويل الإسلام إلى مرجعيّة عالميّة
ما يحتاجه الإسلام في مرحلة التأسيس، ما تحتاجه البشرية كأساس كقواعد، كمنهجية، كتشريع، كقوانين، كأخلاق وقيم، ما تحتاجه البشرية كمنهج ومسار حياة، ما تحتاجه البشرية كموازين وقواعد ومرجعية في الحياة، يمكن أن يلتف حولها المظلومون والفقراء والمحرومون والمستضعفون في العالم الذين يبحثون عن الحرية، والعدالة والكرامة، والحق، ما يحتاجه هؤلاء جميعاً من الإسلام قد حققه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلال 25 سنة، واستطاع أن يحول المجتمع بالإسلام إلى مرجعية عالمية، والمجتمع الإسلامي استطاع أن يمثل موازين، وقواعد، ومسار، ومنهجية، كما وصف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين عليه السلام بـ "يعسوب الدين"، الفارق الذي يفرق بين الحق والباطل، بعد الإسلام يعني بعد ال25 سنة، إذا كان أحد في المجتمع العربي مظلوماً يبحث عن مبادئ العزة، فكان صوت القرآن في شبه الجزيرة العربية يكفيه، إذا كان هناك مظلومين مقهورين، فقراء يحتاجون إلى من يحمل مشعل حرية والعدالة، كان صوت القرآن في شبه الجزيرة العربية كافٍ، فما تحتاجه الأمة، وما يحتاجه العالم، وما تحتاجه البشرية في مرحلة التأسيس حصل.
ما بناه الإسلام، ما بناه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الإسلام في مدى 25 سنة، شكل اكتمال الرسالة الأخيرة والنهائية للبشر.

الإمامة ومرحلة تعميم الإسلام
ماذا يبقى؟ يبقى مرحلة أخرى هي مرحلة تعميم الإسلام، مرحلة تعميم الحق وتعميم البرنامج، بحيث يحمله العالم، بحيث يؤمن به العالم، بحيث يطبقه العالم، بحيث يحيى به العالم، فيقترب العالم من الإسلام وتقترب البشرية من تطبيق الإسلام. هذه مهمة تعميم وليست مهمة تأسيس. وهذه هي وظيفة الإمامة، فالأئمة الإثنا عشر عليهم السلام هم ضمانة الإسلام في تعميم هذا الانجاز الإعجازي للبشرية. ذلك أن صدق الفكرة وأحقيتها وسموها لا يكفي لإطلاقها وانتشارها في العالم. لا يكفي أن يكون الإسلام هو عين الحق لينتشر في العالم،


الحق لا ينتشر من تلقاء نفسه، الحق عامل مساعد، عامل مزخم، لكن لينتشر الحق يجب أن يتحرك الإنسان بالإسلام وللإسلام. إن مجرد نزول الإسلام لا يكفي مطلقاً ليؤمن الناس به، إن مجرد نزول القرآن لا يعني أبداً أن الناس سيؤمنون به من فورهم. وكما مرَّ نعرف من خلال سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كم عانى وواجه من مشاكل كبرى، وعذابات كبرى، ليؤمن الناس بهذا القرآن الإلهي.
الأمر الآخر، أن الإسلام إذا كان حقاً ـ وهو حق ـ هذا لا يعني أن الناس ستطبقه بنفس المستوى، يوجد ناس سيطبقونه بدرجة عالية، وآخرون سيطبقونه بدرجة وسط أو بدرجة أولية وبدائية. سنرى أخطاء في تطبيق الإسلام، ممكن أن نرى ضيقاً، ممكن أن نرى إنحرافاً عن تطبيق الإسلام، ممكن أن نرى مؤامرات على الإسلام، حروباً على الإسلام، ممكن أن نرى ضعفاً في التطبيق، ممكن أن نرى سوءً في التطبيق، ممكن أن نرى استغلالاً لتطبيق الإسلام وتطبيق قوانينه، هذه كلها أمور يمكن أن نراها.
لذلك، فإن فكرة التعميم مطلوبة حتى تتسع دائرة المؤمنين بالإسلام، ودائرة الملتزمين بالإسلام. هذا الموضوع، أي فكرة التعميم، ومسؤولية التعميم، منطلقة من طبيعة الأمور، وطبيعة الأمور تفترض أن يحصل إنحرافاً، طبيعة الأمور تفترض أن يحصل ضيق في دائرة التطبيق، وأن تحصل أخطاء كبيرة، أو صغيرة كل هذا ممكن، وهو أمر طبيعي، كل هذا فرضيات واردة على مستوى الاحتمالات، وهي فرضيات واقعيّة واردة جداً.

إعادة الاعتبار للمرجعية الإسلامية
على صعيد آخر، من يقول أنه إذا انتصر الإسلام في شبه الجزيرة العربية سيعني أن أعداءنا انتهوا، وأن الصراع سيتوقف، لا، الصراع سيبقى مستمراً، لكن لا يوجد خوف ما دام المسار العام في المجتمع صحيحاً، ما دامت القواعد الأساسية في المجتمع صحيحة، ما دام المنهج العام في المجتمع صحيحاً، ما دامت الموازين العامة في المجتمع صحيحة، ما دام التشريع العام في المجتمع صحيحاً، ما دامت القيم العامة في المجتمع قيماً صحيحة.
أما إذا وجد انحراف في مكان ما فهذا يحتاج إلى تثقيف، وتوعية، وحضور، وجاهزية، وتعليم، وتطبيق قانون، وما أشبه ذلك. وهذا بحد ذاته يبقى طبيعياً ومحمولاً، لكن أن نصل


إلى مرحلة تنمو وتشتد حركة الباطل، وحركة الظلم في المجتمع، ويسود معها برنامج الباطل، وأشخاص الباطل، وفكرة الباطل، وقيم الباطل، وتشريعات الباطل، ومنهج الباطل، بحيث يتقدم في المجتمع خطوة تلو الخطوة، ويحتل موقعاً أثر موقع، لتتراجع مواقع الحق أمامه موقعاً بعد موقع، حتى يصبح هو المسار العام الحاكم في المجتمع، ويصبح هو القواعد العامة التي يحتكم المجتمع إليها، ويصبح هو الفكر العام السائد في المجتمع، وتهيمن بالتالي فيه قيم الباطل، بكلام آخر، عندما تنحسر فكرة الحق عن الحياة كفكرة تأسيسية لها فعالية وتأثير في بناء وضع المجتمع والإنسان، عندما تنحسر وتتراجع أمام الباطل، سنكون حينئذٍ في مواجهة مرحلة جديدة، وبالتالي مهمة جديدة. عندها ستتحول المهمة من مهمة تعميم الإسلام إلى مهمة إعادة الاعتبار للإسلام من جديد كفكرة تأسيسية.
كان مُفترض بعد نجاح الإسلام، وبعد انتصار الإسلام، أن يتحمل الأئمة الأطهار عليه السلام والمسلمون مسؤولية تعميم الإسلام للعالم، لكن نحن وصلنا إلى مرحلة من تطور الصراع بين الحق والباطل، وصلنا إلى مرحلةٍ تقدم الباطل وتراجع الحق، وفكرة الحق انحسرت عن المجتمع والحياة، والمجتمع بدأ يخدع ويقبل الآن بالقوة، بالإرهاب بالطمع بالخوف بالمصالح، بحب الحياة بحب البقاء، لأي سبب من هذه الأسباب وغيرها أخذ يقبل ويستسلم للباطل الذي انهزم مع محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أخذ يقبل بانحسار الحق وأهله عن المجتمع، عن الحياة، عن الفعالية، عن التأثير، عن السلطة، عن الحكم، وعن أي موقع من مواقع التأثير في المجتمع.
إذا أردت أن أراقب الصراع في كربلاء، والمعركة إلى أين وصلت، لوجدنا أنها وصلت إلى نقطة هي أن الباطل استطاع أن ينتصر وأن يجعل الحق منحسراً مهزوماًَ ضعيفاً، وأصبحت دائرة المؤمنين ضيقة، تكاد تكون غير موجودة إلا في حدود 73 فرداً. من كل هذا المجتمع الفئة التي بقيت، والتي جاءت مع الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء لا تتجاوز بضعة عشرات، إذن أين ذهب بقية المجتمع الإسلامي، وإلى أي حد ذهب هذا المجتمع؟
لقد ذهب إلى حد أن أرسل أهل الكوفة الكتب إلى الإمام الحسين عليه السلام أن أقدم إلينا يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فبعث مسلم ابن عقيل وقتلوه، وحصل ما حصل، والذين قتلوه في كربلاء


هم أهل الكوفة الذين كانوا يحملون سيف الحسين عليه السلام ، ففي كربلاء حملوا سيف يزيد وقتلوا به الحسين بن علي عليه السلام ، هذا المجتمع إنحسرت فيه فكرة الحق، قيم الحق، أخلاق الحق، تشريعات وقوانين الإسلام. كل مبادئ وقيم الإسلام انحسرت عن مواقع التأثير والفعالية، وهذا ليس سببه، مرتبط بكربلاء، وإنما مرتبط بالأخطاء، والانحرافات، وسوء التطبيق والمصالح، كل خطأ مهما كان صغيراً أو كبيراً ارتكب بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشكل إسهاماً جزئياً أو كبيراً في انتصار وتقدم الباطل، شكل مساهمة جزئية أو كبيرة في انحسار فكرة الحق، حتى وصلنا إلى حكم يزيد ابن معاوية، هنا يقول الإمام الحسين عليه السلام : "ألا ترون إلى الحق لا يعمل به...." انظروا الفرق، الفرق أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنى إسلاماً بحجم العالم "?إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا? يوجد فرق بعيد جداً بين صورة "إذا رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً"، وصورة "ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه"، الحق لا يعمل به يعني انحسر، الباطل لا يُتناهي عنه يعني لا أحد عنده أي حواجز تمنعه من الارتباط بالباطل، فإذن وصل المجتمع إلى مرحلة أن الحق انحسر عن التأثير والفعالية وأخذ مكانه الباطل في التأثير والفعالية، هذا الأمر قال عنه الإمام الحسين عليه السلام : "إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي..." الإصلاح فيها، مشكلتها في داخلها، مشكلتها في إرادتها، في شخصيتها، في ذهنها، في فكرها، في ثقافتها، في إيمانها، في بنيانها الداخلي، في عواطفها ومشاعرها، في أخلاقها.
المشكلة هنا، "ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به" في هذه المرحلة، ما هي مسؤولية الإمام الحسين عليه السلام ؟ مسؤوليته هي في إعادة الاعتبار إلى الإسلام، في إعادة الاعتبار إلى القيم الإسلامية، في إعادة الاعتبار إلى الأخلاق الإسلامية، في إعادة الاعتبار إلى الثقافة والإيمان، بعد إعادة الاعتبار لمرجعية الإسلام في المجتمع.
أنا اعتبر أن أهم نقطة هي هذه، أي إعادة الاعتبار لمرجعية الإسلام في المجتمع، إعادة الاعتبار لدور الإسلام في المجتمع، إعادة اعتماد المجتمع على الإسلام كفكرة تغييرية كفكرة إصلاحية، كمرجع تغييري ومرجع إصلاحي.

تضحيات كربلاء تفوق تضحيات الأنبياء


الإسلام هو الذي ظهّر الأمة تحمل قيمة إلهية حضارية إنسانية. كمشروع، كبرنامج، كمنهج للإصلاح والتغيير، والبناء للمجتمع، لم تكن مسؤولية الإمام الحسين عليه السلام مواجهة الأخطار والانحرافات، أو مواجهة ضيق دائرة تطبيق الإسلام، وإنما كانت مهمته إعادة تأسيس الإسلام، وهذا يعني أن مهمته هي مهمة نبوية، لأن هذه هي مهمة الأنبياء، هذه هي مهمة الأولياء، ولذا قيل أن الإسلام بدأ بمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكنه استمر وتجدد بالحسين بن علي عليه السلام .
إذا أردت أن أستحضر واستجمع كل عذابات الأنبياء من أجل تأسيس رسالة الله في الأرض، ثم استحضر واستجمع كل عذابات الحسين عليه السلام في كربلاء، كل عطاءات الحسين عليه السلام في كربلاء، النتيجة ستكون مما ثلة، بل ما حدث في كربلاء يقومها إن كل هذا العطاء الكربلائي، هذا المستوى من الاستشهاد، هل هو فقط لمواجهة قضيّة الانحراف في المجتمع، هل هو فقط لمواجهة أخطاء فيه، هل هذا كله يستلزم هذا القدر والمستوى من التضحيات حتى تستقيم الأمور، أن لا أرى ذلك. يوجد عذاب، يوجد عطاء، يوجد تضحيات، يوجد استشهاد من نوع فريد في كربلاء يفوق عذابات الأنبياء، تضحياتهم وتضحيات الأولياء والرسل، هذا يعني أن هذه الرسالة الإلهية، وهذه النعمة الإلهية الكبرى، وهذا الإسلام الكبير، هذا البرنامج الإنساني الحضاري الكبير، هذه الدعوة الإلهية هذه القيم الإلهية، هذه المبادئ الإلهية، هذه القوانين والتشريعات الإلهية، لولا موقف الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء لانتهت.

الحسين هو النموذج الأقصى للثوار
إذنً أعطى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للعالم الضال ما تحتاجه من الهداية، و أعطى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للأمة الجاهلة ما تحتاجه من علم ومعرفة، و أعطى للمظلومين ما يحتاجونه من عدالة، فإن الإمام الحسين عليه السلام أعطى لكل الثوار في العالم ما يحتاجونه من حرية، وما يحتاجونه من كرامة، ومن عزة للبشرية كلها. لا نحتاج بعد الحسين عليه السلام لأي رجل يحمل مشعل حرية، ولا يحتاج أي ثائر في العالم، وأي مظلوم ومقهور ومضطهد بعد الإمام الحسين عليه السلام إلى من يعطيه درساً أو مشعلاً في الحرية أو الثورة أو العزة. ثورة الإمام عليه السلام وموقفه وتضحياتة


كافية لأن تكون مدرسة لكل الأحرار على مدى التاريخ، لذلك أعتقد أن استشهاد الإمام الحسين عليه السلام يحصل مرة واحدة إلى أن تقوم الساعة، لا تحتاج رسالة الإسلام إلى أكثر من الحسين بن علي عليه السلام ، لا تحتاج رسالة الإسلام حتى تنتصر وتُحمى وتُحصّن، وتستمر وتبقى، وحتى تصل إلى العالم إلى أن تقوم الساعة، إلى أكثر من الحسين بن علي عليه السلام ، فما تحتاجه قد حققه الحسين بن علي عليه السلام في كربلاء، ما يحتاجه الإسلام كله إلى أن تقوم الساعة قد حققه الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، وما تحتاجه البشرية بالمعنى العسكري للكلمة إلى أن تقوم الساعة قد حققه الحسين بن علي عليه السلام في كربلاء، لذلك الأئمة بعده لم يستشهدوا، لأن الإسلام لا يحتاج إلى استشهادهم، لأن هذا الاستشهاد قد حقق نتائجه، وأهدافه، ومفاعيله إلى يوم القيامة.
فبعد الحسين عليه السلام نحن أمام مسؤولية تعميم وليس أمام فكرة تأسيس، بعد الإمام الحسين عليه السلام علينا أن نكمل الطريق لا أن نبدأ الطريق، لا أن نؤسس الطريق فكأننا معه أمام انبعاث جديد لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم ولجميع الأنبياء والرسل صلى الله عليه وآله وسلم .
المسألة الأخرى التي استوقفتني وكنت أفكر بها ووجدتها عندما قرأت هذا النص، بعد أن يقول: "من رأى سلطاناً جائراً..." يقول: "وأن الحسين بن علي ابن فاطمة بنت رسول الله نفسي مع أنفسكم وأهلي مع أهليكم وأولادكم ولكم فيّ أسوة..." وقال أيضا: "ومن أحق بالتغيير مني" حينما وصل الباطل إلى هذا المستوى، قولوا لي إلى أين سترجع الناس، إلى من سترجع الناس، ممن تنتظر الناس التغيير.
المهزومون الذين فقدوا أملهم وإرادتهم، عزيمتهم، قرارهم، بنيانهم الداخلي، وشخصيتهم الداخلية، إلى من يعودون، إلى من يرجعون، من المطلوب منه في مرحلة من هذا النوع مسؤولية التغيير والإصلاح، الذين يتحملون مسؤولية التغيير والإصلاح في مرحلة من هذا النوع هم كبار الأمة وعظماءها وأولياءها، هم صالحو الأمة، رسل الأمة وأئمتها، هؤلاء هم الذين يتحملون المسؤولية في مرحلة التأسيس.
المؤسسون لا ينتظرون من غيرهم، ولا ينتظرون من أحد أن يسبقهم إلى القيام بهذه المسؤولية، كل من يفترض نفسه في موقع المسؤولية التأسيسية في مسار التغيير والإصلاح


عليه أن يبادر أولاً ولا ينتظر أحداً غيره للقيام بمسؤولية من هذا النوع.
هذا شرط أساسي من شروط تحمل المسؤولية، هذه مسائل أساسية لذلك، الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في عملية التأسيس والتغيير لم يسأل عن شيء، عن نفسه، عن غيره. سأذكر لكم فكرة موجودة في القرآن الكريم، لأن الرسول كان يغير مجتمع وهو الذي سيتحمل المسؤولية، كانت تسود المجتمع فكرة التبني، يعني أن يربي احدهم ولداً ليس له ويصبح ابنه، كان عند الرسول مولى أي خادم اسمه زيد وكان متزوجاً، زيد كان بمثابة الولد والابن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يأتي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويقول لهم، يا أيها الناس، الولد الشرعي ليس هو الولد بالتبني، يعطيهم نصاً معيناً، وقاعدة معينة، يقول لهم أن الولد بالتبني ليس ولداً شرعياً، وتنتهي المسألة، هذا الكلام لا يكلفه شيئاً، ولكن الرسول لم يفعل هذا فقط، وإنما أمر زيداً بأن يطلق زوجته، وبعد ذلك تزوجها، من الذي يقدر أن يتحمل، هذا الرسول صاحب الموقع السياسي الاجتماعي والديني والإلهي، هل في الحياة من هو أعلى من موقع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أعلى من موقع النبي. وعندما يتخذ قراراً من هذا النوع سيدفع ثمنه.لا يوجد مشكلة، ما دام هو يتحمل مسؤولية التأسيس، هو سيدفع ثمن هذا التأسيس. أو ما يسمى بمرحلة وضع السنن.

المؤسسون لا ينتظرون حصادهم
النقطة الثانية، إن المؤسسين لا يأكلون من ثمن التغيير، هذه قاعدة، بل إن المؤسسين يدفعون ثمن التأسيس من حسابهم هم أولاً قبل أن يدفع الآخرون ثمن التأسيس أو التعميم.
في البداية المؤسسون يدفعون ثمن التأسيس من حسابهم، "نفسي مع أنفسكم وأهلي مع أهليكم ولكم فيّ أسوة"، لذلك الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء كان هو الثمن، الثمن أن يُذبح الإمام الحسين عليه السلام الثمن أن يُحمل رأسه على الرمح، الثمن أن يُقتل ويذبح رضيعه، الثمن أن يُذبح أولاده وأخوته وأولاد أخوته، الثمن أن تُسبى نساؤه، كل هذا ثمن ماذا؟ إنه ثمن التأسيس والتغيير، وإعادة الاعتبار للإسلام وهو ثمن دفعه الإمام الحسين عليه السلام من حسابه وليس من حساب الآخرين. هذا الثمن الذي دُفع هو الذي حول الإمام الحسين عليه السلام إلى قدوة وأسوة، إلى راية، ونموذج في التاريخ كله.
إذا أردت أن أطبق هذا الموضوع تطبيقاً منهجياً، وإذا أردت أن أتكلم باختصار شديد


عن المقاومة الإسلامية في ظروف من هذا النوع، مثلما نرى الآن يوجد لغة تُحكى في كل مكان أن المقاومة تستشهد وغير المقاومة يأكل ثمن هذا الاستشهاد، نحن نقاوم في الجنوب وغيرنا يأكل الثمار، هذه لغة تُقال، موجود مناخ كلام من هذا النوع، أحب هنا فقط أن أقول هذا الكلام، أن المقاومة الآن هي في المسار الكربلائي وفي المسار الحسيني، هي في مرحلة التأسيس.
وإذا كانت في مرحلة التأسيس فهي التي لا تنتظر أحداً أن يبادر إلى حمل المسؤولية، وثانياً المقاومة في مرحلة التأسيس يعني أنها تدفع ثمن التغيير من حسابها وليس من حساب الآخرين، هذا لا يعني أن المقاومة يجب أن لا تأكل من حسابها أو من ثمن انتصارها، بل إن المقاومة ستأكل إن شاء الله من ثمن الانتصار كجزء من الانتصار وليس على حساب الانتصار، سيأتي الزمن والوقت الذي يأكل المقاومون ثمن انتصارهم لحساب الانتصار وليس على حساب الانتصار، أسأل الله سبحانه وتعالى لكم ولنا دوام العزة والنصر، ودوام الأجر والثواب بمصابنا بأبي عبد الله الحسين عليه السلام .
والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته1.




هوامش

1- محاضرة ألقيت في محرم 1416هـ /أيار 1995 في مركز الإمام الخميني الثقافي





من كتاب ثورة الإمام الحسين قراءة في الأبعاد والدلالات
جمعية المعارف الاسلامية الثقافية

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://turaibel.mam9.com
 
الإصلاح والتغيير وأبعاد الحركة الحسينية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات قرية الطريبيل :: الاقـسـام الاسـلامـيـة :: منتدى أهل البيت عليهم السلام :: منتدى الامام الحسين بن علي عليهما السلام-
انتقل الى: