الجنس : عدد الرسائل : 6362 تاريخ التسجيل : 08/05/2008
موضوع: في رحاب المستبصرين-محمد مرعي الأنطاكي -سوريا الأحد يوليو 29, 2012 1:14 pm
في رحاب المستبصرين-محمد مرعي الأنطاكي -سوريا
الشيخ محمد مرعي الأنطاكي
الاسم والمولد : هو كما يقول عن نفسه : كانت ولادتي سنة 1314 هجرية، في قرية من القرى التابعة لأنطاكية، تبعد عنها أربع فراسخ تدعى «عينصو» . و قد نشأ سنيا على المذهب الشافعي . حياته العلمية : حفظ الشيخ محمد مرعي الأنطاكي القرآن الكريم في قريته وكذلك تعلم الكتابة . و لحبه للعلم والعلماء شغف كثيرا به، وحضر لمدة ثلاث سنوات مع أخيه الشيخ أحمد أمين الأنطاكي عند أحد شيوخ القرية . بعد ذلك انتقل وأخوه إلى أنطاكية ودخلا مدرستها الدينية وبقيا فيها مزاولين طلب العلم لمدة تقارب السبع سنين . ورغبة منه في الارتقاء في مدارج المعرفة وكمالات العلم يمم وجهه إلى مصر حيث سجل في الجامع الأزهر وكان قد سبقه أخوه إليه بفترة وجيزة . وحضر في الأزهر الشريف على جملة من العلماء الأفاضل من بينهم : العلامة الأكبر الشيخ مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى . العلامة الكبير الشيخ محمد أبو طه المهني . العلامة الكبير الشيخ رحيم . وغير هؤلاء من أعاظم شيوخ الأزهر ممن يطول ذكرهم . وبعد فترة من التحصيل قرر العودة إلى موطنه ومسقط رأسه لينشر ما تعلمه بين أهله وذويه . بعد عودته إلى بلاده اشتغل بالتدريس وإمامة الجمعة والجماعة لمدة تصل إلى خمسة عشر عاما . بداية الشك : كان الشيخ محمد مرعي الأنطاكي رجلا فاضلا وعالما، وعلمه هذا أوقفه على ما يوجد بين المذاهب الأربعة من تناقضات فاضحة جعلت ما هو حلال عند أحدها حرام عند الآخر وما هو مكروه عند هذا مستحب عند ذاك، فدخل في نفسه شئ من هذه الإختلافات ولم يستسغ تلك الحالة المزرية . يقول الشيخ عن ذلك : «مثلا إن الشافعي يقول : إن لمس الأجنبية يوجب الوضوء ( انظر كتاب الأم للشافعي ج1، ص15 ) والحنفي يقول بخلافه . ويخالفهما مالك حيث يقول : إن اللمس إذا كان بشهوة، أو عن عمد وجب الوضوء، وإلا فلا ( أنظر مالك في كتابه المدونة الكبرى ج1، ص13 ) . ... ومالك يقول : بجواز أكل لحم الكلاب ويخالفه الثلاثة ... يا سبحان الله ! أفهل كانت الشريعة ناقصة لم تتم حتى أتوا بما أتوا به من الخلاف الدائر بينهم، فهذا يحلل وذاك يحرم، والآخر يجيز وذاك بالعكس ؟» ( عن كتابه لماذا اخترت مذهب الشيعة ص 36 ) . مع الوهابية : أعجب الشيخ بعد حيرته هذه بالوهابية لما كان يسمع عنها أنها تسعى لإعادة المسلمين إلى الجادة وتزيل عن الدين الزيغ والأهواء , لكن سفره إلى الحجاز كشف له حقيقة هذه الفرقة الجاهلة لما رأى من أتباعها من جهل وغلظة وتحرش بضيوف الرحمان ، يقول هو عن ذلك : «وكنا نسمع عن الوهابية بأنهم يقيمون الحدود ويجرون الأحكام الشرعية تماما فهاجرنا إلى الحجاز، و تخللنا بينهم مدة فوجدنا الأخبار إلتي وصلتنا من القطر الحجازي كانت خلاف الواقع، فإنهم أضرّ على الإسلام من كل شئ ... ... إذا وضع الحاج أو أي شخص يده على القبر، فهو مشرك . ويدانيه الشرطي ويقول : «ارفع يدك يا مشرك» وإذا قال القائل يا رسول الله فهو مشرك ... وبالجملة لما رأينا ما رأينا منهم، رجعنا إلى بلادنا وعدنا إلى ما كنا نمتهن من ذي قبل، وطال بنا الحال، فحتى متى يا رب» . ربّ صدفة... : كان الشيخ محمد مرعي الأنطاكي لا يسمع عن مذهب الشيعة الإمامية إلا كل شين، لكن لم تتوفر له فرصة جيدة للتعرف على مباني مذهبهم إلى أن ظفر يوما بكتاب قيم هو كتاب المراجعات . يقول هو عن ذلك : «وأخيرا عثرنا على كتاب جليل لإمام عظيم، وهو كتاب المراجعات للمقدس فقيد الأمة الإسلامية آية الله العظمى المجاهد في سبيل الله بقلمه ولسانه طيلة حياته، الإمام الأكبر، والمجتهد الأعظم سماحة السيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي العاملي ... فأخذت الكتاب وبدأت أتصفحه، وأتدبر مقالاته بدقة وإمعان , فأدهشتني بلاغته، وسبك جمله ... وقد رأيت مؤلفه لم يعتمد في احتجاجه على الخصم من كتب الشيعة، بل يكون اعتماده على كتب السنة والجماعة، ليكون أبلغ في الرد ...هذا ولم يمض علي الليل إلا وأنا مقتنع تماما، بأن الحق والصواب مع الشيعة، وأنهم على المذهب الحق الثابت، عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن أهل بيته الطاهرين، ولم يبق لي أدنى شبهة البتة، واعتقدت بأنهم على خلاف ما يقال فيهم من المطاعن والأقاويل المفتعلة الباطلة» . وبعد ذلك : «ثم في صبيحة تلك الليلة عرضت الكتاب الشريف على أخي و شقيقي، فضيلة العلامة الفذ الحافظ الشيخ أحمد أمين الأنطاكي حفظه الله فقال لي : ما هذا ؟ قلت : كتاب شيعي، لمؤلف شيعي . فقال أبعده عني - ثلاثا - فإنه من كتب الضلال وليس لي به حاجة وإني أكره الشيعة وما هم عليه . فقلت : خذه واقرأه، ولا تعمل به، وماذا يضرك إن قرأته ؟ فأخذ الكتاب ودرسه وطالعه بدقة وإمعان، وحصل له ما حصل لي من الإعتراف بأحقية المذهب الشيعي ...» أسباب استبصار الشيخ محمد مرعي الأنطاكي : إن أسباب استبصار الناس على حقيقة مذهب أهل البيت عديدة وكثيرة، ويلخص الشيخ محمد مرعي اسباب استبصاره فيما يلي :
التعبد على وفق مذهب الشيعة الإمامية الجعفرية جائز ومبرئ للذمة وقد أفتى به كثير من علماء أهل السنة مما أدخل الإطمئنان على نفس الشيخ من جهة . فهو يقول : «وقد أفتى به ( التعبد وفق المذهب الشيعي ) كثير من علماء السنة السابقين واللاحقين، وأخيرا منهم الشيخ الأكبر زميلنا الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر بفتواه الشهيرة المنتشرة في العالم الإسلامي» ( عن كتابه لماذا اخترت مذهب الشيعة ص49 )
قوة الأدلة التي توجب وتفرض على كل مسلم الإتباع لأئمة مذهب أهل البيت عليهم السلام و تسد الطريق على غيرهم . وهذه الأدلة وردت في القرآن والسنة . في حين أن أدلة غيرهم متناقضة، متواهية، مترددة . و سنذكر بعض الأدلة لاحقا .
الوحي نزل في بيت أهل البيت وأهل البيت أدرى بما فيه، فما بال غيرهم يدعي معرفة أكثر منهم ؟
من الأدلة التي أفحمت الشيخ كما يقول هو :
«إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبدا، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض . فانظروا كيف تخلفوني فيهما ( أنظر مثلا صحيح مسلم، ج2، ص238 ) و ( مسندأحمد، ج3، ص 17 ) و ( كنز العمال، ج7 ص 112 ) و ( صحيح الترمذي، ج2، ص308 ) و ( مستدرك الحاكم، ج 3، ص109 ) و غيرها . ...وقال رسو الله صلى الله عليه وآله وسلم : مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق وهوى ( الحاكم في المستدرك ج 2، ص342 ) و ( كنز العمال، ج 13، ص84 ) و ( ميزان الاعتدال للذهبي، ج1، ص224 ) و ( تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص573 ) وغيرها . والنتيجة : تبين الصبح لذي عينين، فقد تيقن الشيخ محمد مرعي الأنطاكي من أحقية المذهب الشيعي بلا أدنى شك وبدرجة اليقين لا بدرجة الظن ( إن الظن لا يغني من الحق شيئا ) . وكيف لا يذعن وهو عالم سني شافعي قد خبر خبايا المذاهب السنية الأربعة ورأى أن الأدلة التي توجب اتباع أهل البيت عليهم السلام أدلة قطعية بل وموثقة من كتب وصحاح وتواريخ أهل السنة أكثر من كتب علماء الشيعة . وراى أنه لا مجاملة في الدين مع الله ولا غض طرف عن أشياء ( فالحق أحق أن يتبع ) . يقول الشيخ بنفسه عن ذلك : «قد عرفت مما مر عليك متكررا بأن الأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة من كلا الطرفين طافحة في كتب الفريقين بأحقية الأخذ بالمذهب الجعفري ، إذ أنه سلسلة ذهبية متراصة حلقاتها بعضها ببعض لا تنفصم، إذ يقول جل شأنه : «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها» . «... وقد جاء في حديث معتبر مأثور، عن علي عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : «نحن العروة الوثقى» ( أنظر ينابيع المودة 259،445 ) وقد توفي الشيخ محمد مرعي رحمه الله في ذي القعدة من سنة 1383 هجرية . والخلاصة : إن هذا العالم الجليل توصل بعد عناء وطول بحث إلى المذهب الصافي والمعين الشافي حيث أنه اكتشف خواء المذهب الشافعي وبقية المذاهب الأربعة والتي لا حجة لمن يتبعها أمام الله حيث ما كان أئمة المذاهب من الصحابة ولا من قربى الرسول ولم يدعوا هم أفضليتهم على سائر العلماء، لكن حكام السوء هم الذين أسسوا تلك المذاهب وإلا فأين سفيان الثوري الذي ما كان يقل في شئ عن مالك وأبي حنيفة وغيرهما، فلماذا لم يكن صاحب مذهب ؟ وكذلك الأوزاعي مثلا . ولماذا أغلق باب الإجتهاد واقتصرت المذاهب على أربعة فقط !؟ إن الأمة لم تعقم عن الرجال والعلماء وها نحن في هذا العصر، فكيف يمكن لأتباع المذاهب الأربعة الرجوع في المسائل الحديثة إلى ائمتهم !؟ إن الإنصاف هو الرجوع إلى أهل البيت المعصومين الذين قرنهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالقرآن ولن يفترقا أبدا حتى يوم القيامة . وإن للشيخ محمد مرعي الأنطاكي بعد رحلته هذه عدة كتب يهمنا هنا كتابه القيم «لماذا اخترت مذهب الشيعة، مذهب أهل البيت !؟» وإنا لنأسف أن البعض ممن أعيتهم الحيلة قاموا بتكذيب هذه الحقيقة وادعوا أن الشيخ مرعي الأنطاكي شخصية وهمية . دائما التشكيك سلاحهم . ونحن نقول لهم ما يلي : على فرض أن الشيخ الذي مشى على الأرض وأكل الطعام وتوفي رحمه الله كان شخصية مختلقة، فماذا تقولون في محتوى كتابه والأدلة التي وردت فيه !؟ ماذا تقولون فيما قيل بغض النظر عمن قال ؟ ونختم بقول الإمام الطاهر المطهر علي بن أبي طالب عليه السلام حيث يقول : «إن الحق لا يعرف بالرجال ولكن الرجال تعرف بالحق» .