الإدارة عضو ذهبي ممتاز
الجنس : عدد الرسائل : 6362 تاريخ التسجيل : 08/05/2008
| موضوع: علم الإمام الباقر ( عليه السلام ) السبت فبراير 02, 2013 7:17 am | |
| علم الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال الشيخ المفيد ( رضوان الله عليه ) : لم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين ( عليهما السلام ) في عِلم الدين ، والآثار ، والسُّنَّة ، وعلم القرآن ، والسيرة ، وفنون الآداب ، ما ظهر من أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) . وروى عنه بقايا الصحابة ووجوه التابعين وفقهاء المسلمين ، وسارت بذكر كلامه الأخبار ، وأنشدت في مدائحه الأشعار . قال ابن حجر : صفا قلبه ، وزكا علمه وعمله ، وطهُرت نفسه ، وشرُف خُلُقه ، وعمُرت أوقاته بطاعة الله ، وله من السجايا في مقامات العارفين ما تكلُّ عنه ألسنة الواصفين ، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف ، لا تحتملها هذه العجالة . فالعلم محيط كبير ، ومهما بلغ الإنسان من العلم أعلى درجاته ، فإنه سيظل قاصراً في علمه ، ولن يبلغ قطرة واحدة من هذا المحيط الكبير . لكن الله سبحانه وتعالى حبا صفوة من عباده بالعلم المتدفق الذي لا ينقطع عطاؤه ، ولا حدود لسعة أفقه . ومن هؤلاء سيدنا ومولانا الرسول الأعظم محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وكذلك وصيه ووزيره وابن عمه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) . والأئمة ( عليهم السلام ) من بعده ، حَمَلة الرسالة ، وهُداة الأمة ، ولا شك أن الإمام الباقر ( عليه السلام ) استمَدَّ علمه من مدينة العلم المُحَمَّدية ، ومن بابها العلوي . فقال الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأتِ الباب ) . فجعل الله علم الإمام باقر العلوم ( عليه السلام ) يتفجر بين جوانبه بغزارة ، فلا يتوقف حَدُّه ، ولا يَقلُّ مَدَاه . وللإمام الباقر ( عليه السلام ) مواقف كثيرة تَدلُّ على سعة علمه ، وغزارة معرفته . ومنها حينما اجتمع القسيسون والرهبان ، وكان لهم عالم يقعد لهم كل سنة مرة يوماً واحداً يستفتونه فَيُفتيهم . عند ذلك لَفَّ الإمام الباقر ( عليه السلام ) نفسه بفاضل ردائه ، ثم أقبل نحو العالِم وقعد ، ورفع الخبر إلى هشام . فأمر بعض غلمانه أن يحضر الموضع ، فينظر ما يصنع الإمام ( عليه السلام ) . فأقبل وأقبل عدد من المسلمين فأحاطوا بالإمام ( عليه السلام ) ، وأقبل عالِم النصارى وقد شَدَّ حاجبيه بخرقه صفراء حتى توسطهم ، فقام إليه جمع من القسيسين والرهبان يُسَلِّمون عليه . ثم جاءوا به إلى صدر المجلس فقعد فيه ، وأحاط به أصحابه والإمام ( عليه السلام ) بينهم ، وكان مع الإمام ولده الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) . فأدار العالِم نظره وقال للإمام ( عليه السلام ) : أمِنَّا أم من هذه الأمة المرحومة ؟ فقال ( عليه السلام ) : ( من هذه الأمة المرحومة ) . فقال العالِم : من أين أنت ، أَمِنْ علماءها أم من جهالها ؟ فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( لَستُ من جُهَّالها ) . فاضطرب اضطراباً شديداً ، ثم قال للإمام ( عليه السلام ) : أسألك ؟ فقال (عليه السلام ) : ( اِسأل ) . فقال : من أين ادَّعَيتم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ، ولا يُحدِثون ولا يبولون ؟ وما الدليل على ذلك من شاهدٍِ لا يجهل ؟ فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( الجَنِين في بطن أمه يأكل ولا يحدث ) . فاضطرب النصراني اضطراباً شديداً ، ثم قال : هلا زَعمتَ أنَّك لست من علمائها ؟ فقال ( عليه السلام ) : ( وَلستُ من جُهَّالها ) . وأصحاب هشام يسمعون ذلك . ثم قال : أسألك مسألة أخرى . فقال ( عليه السلام ) : ( اِسأل ) . فقال النصراني : من أين ادَّعيتم أن فاكهة الجنة غضَّة ، طريَّة ، موجودة غير معدومة عند أهل الجنة ؟ وما الدليل عليه من شاهد لا يجهل ؟ فقال ( عليه السلام ) : ( دَليلُ ما نَدَّعيه أن السِّراج أبداً يكون غضاً ، طرياً ، موجوداً غير معدوم عند أهل الدنيا ، لا ينقطع أبداً ) . فاضطرب اضطراباً شديداً ، ثم قال : هَلاَّ زعمتَ أنَّك لستَ من علماءها ؟ فقال ( عليه السلام ) : ( ولستُ من جُهَّالها ) . فقال النصراني : أسألك مسألة أخرى . فقال ( عليه السلام ) : ( اِسأل ) . فقال : أخبرني عن سَاعَة لا من ساعات اللَّيل ولا من ساعات النهار ؟ فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( هي الساعة التي من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، يَهدَأ فيها المُبتَلى ، ويرقد فيها السَّاهر ، ويَفيقُ المغمى عليه ، جعلها الله في الدنيا دليلاً للراغبين ، وفي الآخرة دليلاً للعالمين ، لها دلائل واضحة ، وحجة بالغة على الجاحدين المتكبرين الناكرين لها ) . فصاح النصراني صيحة عظيمة ، ثم قال : بقيت مسألة واحدة ، والله لأسألنَّكَ مسألة لا تهتدي إلى رَدِّها أبداً . قال الإمام ( عليه السلام ) : ( سَل ما شِئت ، فإنَّك حانِثٌ في يمينك ) . فقال : أخبرني عن مولودين ، وُلِدا في يوم واحد ، وماتا في يوم واحد ، عُمْر أحدهما خمسين سنة ، والآخر عُمرُه مِائة وخمسين سنة . فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( ذلك عُزير وعُزيرة ، وُلِدا في يوم واحد ، فلمَّا بلغا مبلغ الرجال خمسة وعشرين سنة مَرَّ عُزير على حماره وهو راكبه على بلد اسمُهَا ( انطاكية ) ، وهي خاوية على عروشها . فقال : أنَّى يحيي هذه الله بعد موتها ، فأماته الله مِائة عام ، ثم بعثه على حماره بعينه ، وطعامه وشرابه لم يتغير ، وعاد إلى داره ، وأخوه عُزيرة وَوِلْدَه قد شاخوا ، وعُزير شاب في سِن خمسة وعشرين سنة ، فلم يزل يذكر أخاه وولده وهم يذكرون ما يذكره ، ويقولون : ما أعلمك بأمر قد مضت عليه السنين والشهور . وعُزيرة يقول له وهو شيخ كبير ابن مِائَة وخمسة وعشرين سنة : ما رأيت شاباً ، أعلم بما كان بيني وبين أخي عُزير أيام شبابي منك ، فمن أهل السماء أنت أم من أهل الأرض ؟ فقال يا عُزيرة : أنا عُزير أخوك ، قد سخط الله عليّ بقول قلتُهُ بعد أن اصْطفاني الله وهداني ، فأماتني مِائة سنة ثم بعثني بعد ذلك لتزدادوا بذلك يقيناً ، أن الله تعالى على كل شيء قدير ، وهذا حماري ، وطعامي ، وشرابي ، الذي خرجت به من عندكم ، أعاده الله تعالى كما كان ، فعند ذلك أيقنوا ، فأعاشه الله بينهم خمسة وعشرين سنة ، ثم قبضه الله تعالى وأخاه في يوم واحد ) . فنهض عالِم النصارى عند ذلك قائماً ، وقام النصارى على أرجلهم ، فقال لهم عالمهم : جِئْتموني بأعلم منّي ، وأقعدتموه معكم ، حتى هَتَكني وفضحني ، وأعلم المسلمين بأنه أحاط بعلومنا ، وأن عنده ما ليس عندنا . والله لا كلمتكم من كلمة واحدة ، ولا قعدت لكم إن عشت بعد هذه ، فتفرقوا . في هذا الموقف نكتشف مدى سعة علم الإمام ( عليه السلام ) ، ورغم ما بلغه من علم فإنه متواضع ، فمن تواضع لله رفعه . فقد وصل ( عليه السلام ) بالعلم درجة تعجز العقول عن إدراكها ، وتعجز الألسُنُ عن وصفها .
| |
|