الإدارة عضو ذهبي ممتاز


الجنس :  عدد الرسائل : 6362 تاريخ التسجيل : 08/05/2008
 | موضوع: هداية الخلق الي الخالق الجمعة فبراير 08, 2013 1:01 pm | |
|
هداية الخلق الي الخالق وهذا عطاء فكري اخر ، لكنه يدخل في اطار التاثر بالسيرة العملية للامام العسكري عليه السلام ، المتمثلة بسمو الاخلاق وحسن السمت والهدي والصلاح ، مما له الاثر في هداية واستبصار المترددين والمخالفين ، واخراجهم من ظلمات الجهل
والضلال الي نور العلم وصراط الهداية. فقد جاء في الاخباران ابا العلاء صاعد ابن مخلد النصراني (1) ، وزير المعتمد ، اسلم علي يد الامام العسكري عليه السلام بعد ان راي دلالاته وهديه ومكارمه (2). كما اسلم علي يده راهب دير العاقول ، فقد ورد ان الامام العسكري عليه السلام اراد مرة ان يفتصد ، فبعث الي بختيشوع الطبيب طالبا ان يرسل اليه اخص اصحابه عنده ليفصده ، فبعث اليه اعلم تلامذته ، وقال له : « قد طلب مني ابن الرضا من يفصده ، فصر اليه وهو اعلم في يومنا هذا بمن هو تحت السماء ، فاحذر ان لاتعترض عليه فيما يامرك به »فوصف له الامام عليه السلام طريقة في الفصد لم يالفها في الطب ، ففصده وقدم له تخت ثياب وخمسين دينارا ، وقال عليه السلام : « خذ هذا واعذرنا وانصرف »فتحير الطالب واستاذه بختيشوع في معرفة ما وصفه الامام عليه السلام في الفصد ، فبعث بخيتشوع تلميذه ومعه كتاب الي راهب دير العاقول ، وكان اعلم النصاري في الطب ، في ذلك الوقت ، فلما قرا الكتاب طلب منه ان يوافي معه الي سامراء ، فوصلوا الي دار الامام عليه السلام وقد بقي من اليل ثلثه ، ومكث عنده عليه السلام الي الصباح ، ثم خرج الراهب وقد رمي بثياب الرهبانية ، ولبس ثيابا بيضا وقد اسلم ، فقال : « خذ بي الان الي دار استاذك ، قال : فصرنا الي دار بختيشوع ، فلما راه بادر يعدو اليه ، ثم قال : ما الذي ازالك عن دينك؟
--------------------- (1) قال الذهبي في ترجمته : الوزير الكبير ، ابوالعلاء الكاتب ، اسلم ، وكتب للموفق ، ثم وزر للمعتمد ، وهو من نصاري كسكر ، وله صدقات وبر وقيام ليل ، توفي سنة276هـ. سير اعلام النبلاء13 : 326/149. (2) بحار الانوار50 : 281/57 عن فرج المهموم لابن طاوس.
----------------------- قال : وجدت المسيح فاسلمت علي يده. قال : وجدت المسيح؟!قال : او نظيره ، فان هذه الفصدة لم يفعلها في العالم الا المسيح ، وهذا نظيره في اياته وبراهينه ، ثم انصرف اليه ولزم خدمته الي ان مات » (1). وذكرنا في الفصل الثاني ان الامام العسكري عليه السلام حبس اكثر من مرة ، ونقلت لنا الاخبار كيف كان تاثيره في محيط السجن بحيث انقلب المتصدون لسجنه من بغضه والحقد عليه الي حبه والاخلاص له ، ذلك لان الانسان في السجن يعيش حالة نفيسة صعبة ، لكنهم وجدوه عليه السلام في اعلي درجات الارتباط بالله سبحانه وفي اعمق مواقع الاخلاص لي تعالي. روي ثفة الاسلام الكليني بالاسناد عن محمد بن اسماعيل العلوي ، قال : « حبس ابومحمد عليه السلام عند علي بن نارمش ، وهو انصب الناس ، واشدهم علي آل ابي طالب ، وقيل له : افعل به وفعل ، فما اقام عنده الا يوما حتي وضع خديه له ، وكان لايرفع بصره اليه اجلالا واعظاما ، فخرج من عنده وهو احسن الناس بصيرة واحسنهم فيه قولا » (2). وهكذا يستسلم السجان للسجين الذي لايملك حولا ولاقوة غير تاثيره الروحي ، فيضع خديه له متذللا خاضعا ، ولايرفع بصره اجلالا وهيبة ، لانه استطاع ان يقلب تفكيره ووجدانه وسلوكه ، فتحول من عدو شديد العداوة الي صديق شديد الصداقة ، بل تحول الي داعية الي الامام عليه السلام.
---------------------- (1) الخرائج والجرائح1 : 422 ، بحار الانوار50 : 260/21. (2) اصول الكافي1 : 508/8 ـ باب مولد ابي محمد الحسن بن علي عليه السلام من كتاب الحجة. -------------------------------------------------------------------------------- وفي رواية بهذا الاتجاه عن علي بن عبد الغفار ، قال : « دخل العباسيون علي صالح بن وصيف ، عندما حبس ابا محمد عليه السلام ، فقالوا له : ضيق عليه ولاتوسع. فقال لهم صالح : وما اصنع به؟!قد وكلت به رجلين من شر من قدرت عليه ، فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام الي امر عظيم ، ثم امر باحضار الموكلين فقال لهما : ويحكما ما شانكما في امر هذا الرجل؟فقالا له : مانقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله ، لايتكلم ولايتشاغل بغير العبادة ، فاذا نظر الينا ارتعدت فرائصنا ، وداخلنا مالانملكه من انفسنا ، فلما سمع العباسيون ذلك انصرفوا خاسئين » (1). اذن فالامام عليه السلام استطاع ان يؤثر فيهما بقوة شخصيته الرحبة ، وبالجو الروحاني الذي لم يجدا مثله ، الامر الذي جعل صالح بن وصيف المتولي لسجن الامام قد اعيته الحيل والوسائل كلها في التاثير علي الامام عليه السلام. وامتدت اثار الامام الروحية الي قاعدة واسعة من الناس ، بما فيهم عوائل المتولين للسجن ، فقد روي الشيخ الكليني بالاسناد عن علي بن ممحمد ، عن بعض اصحابنا ، قال : « سلم ابومحمد عليه السلام الي نحرير ، فكان يضيق عليه ويؤذيه ، قال : فقالت له امراته ، ويلك اتق الله ، لاتدري من في منزلك؟وعرفته صلاحه وقالت : اني اخاف عليك منه... » (2). هذه هي بعض اثار الامام العسكري عليه السلام في مخالفيه ، فعلينا ان ننفتح عليها لنزداد هديا من هديه ، وعلما من علمه ، ووعيا مما يعطينا من عناصر الوعي.
-------------------------------------------------------------------------------- (1) اصول الكافي1 : 512/23 ـ من نفس الباب المتقدم ، الارشاد2 : 334. (2) اصول الكافي1 : 513/26 ـ من نفس باب المتقدم.
| |
|