بشار الربيعي عضو فضى
الجنس : عدد الرسائل : 156 تاريخ التسجيل : 06/02/2013
| موضوع: في معنى كنيتها « أم أبيها » الأربعاء فبراير 13, 2013 8:31 am | |
|
اللهم صلِ على محمد والِ محمد
السلام عليكِ يا فاطمة الزهراء
في معنى كنيتها « أم أبيها » فاطمة الزهراء
في معنى كنيتها « أم أبيها »
إعلم ; أن من الكنى الخاصة المأثورة لآية الله العظمى ، والعصمة الكبرى فاطمة الزهراء صلوات الله عليها : « أم أبيها » .
ففي مقاتل الطالبين عن الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : « إن فاطمة تكنى بأم أبيها » .
وفي كشف الغمة « إن النبي كان يحبها ويكنيها بأم أبيها » .
وفي هذا اللفظ أمران : أحدهما : حب النبي ( صلى الله عليه وآله ) لفاطمة ( عليها السلام ) ، والآخر تسميتها بأم أبيها حبا لها .
وصاحب الطبع اللطيف والذوق المنيف إذا أمعن النظر في العبارة علم أن إطلاق هذه الكنية على المخدرة الكبرى بعد قوله « يحبها » فيه دلالة واضحة على شدة الحب وكثرة الود .
وقد اختلف العلماء في معنى هذه الكنية العظيمة ، وذهبوا فيها إلى مذهب تشعبت فيها آراء الفضلاء الصائبة ، وتفرقت أنظار العلماء المستطابة ، وكنت مطالبا منذ أمد بالحديث عنها وتوثيق ورودها في الأخبار المسندة لذا قدمت ذكر السند كما ذكره المجلسي ( رحمه الله ) وزيادة ، وها أنا ذا مجد مجتهد في بيان معناها وتوضيحها للأفهام ورفع ما حصل من الإبهام في فهمها مستمدا المدد الوافي من البواطن الشريفة لتلك العصمة الكبرى فأقول : أولا : كيف تكون فاطمة أم أبيها ؟ ومن الواضح أن المراد من هذا اللفظ هو الاستعمال المجازي وليس المعنى الحقيقي ، وعليه كيف نجد المعنى المجازي المناسب دون التورط بمعارض ؟ ثانيا : « أم » لغة بمعنى القصد ، كما في « اللهم » ، قال تعالى : ( ولا آمين البيت الحرام ) ويقال « أم فلان فلانا » أي قصده ، وبالفارسية « أم » بضم الهمزة أصل كل شئ وجمعه امات وأصل « أم » « أمهة » وجمعه « أمهات » ، وتستعمل غالبا « أمهات » للإنسان و « أمات » للبهائم ، وتصغيرها : « أميمة » وهو اسم امرأة ، وقد تضاف التاء إلى « الأب » أو « أم » بدلا عن الياء ، فيقال « يا أبت افعل ويا أمت لا تفعلي » .
وقولهم « لا أم لك » ذم ودعاء ، وإمام مشتقة من نفس المادة ، وهو من قصده الخلق وتقدمهم ; وفي التفسير ( وكل شئ أحصيناه في إمام مبين ) قال : هو الكتاب وفي قوله ( وإنهما لبإمام مبين ) قال : هو الطريق .
والأمام بالفتح هو القدام .
والغالب استعمالها بمعنى « الأصل » يقال : « أم الجيش » وهي كما قال الفخر الرازي : الراية العظمى في قلب الجيش وهي ملاذ الجيش وملجأ .
قال قيس بن الحطيم : عصبنا أمنا حتى ابذعروا * وصار القوم بعد ألفتهم شلالا و « أم الكتاب » مر معناه ، و « أم الطريق » : الطريق الأعظم ، و « أم الدماغ » - كما في مجمع البيان - المقدم من كل شئ ، والجامع منه يقال له « أم الرأس » ، وقيل « أم الدماغ » لأنه مجمع الحواس والمشاعر ، ويقال للأرض « أم » لأنها أصل الإنسان منها خرج وإليها يعود ، قال تعالى جل شأنه : ( ألم نجعل الأرض كفاتا * أحياء وأمواتا ) .
وقال أمية بن الصلت : فالأرض معقلنا وكانت أمنا * فيها مقابرنا وفيها نولد وكذا « أم القرى » لانتشار القرى والمدن منها ، ويقال لرئيس القوم « أم القوم » ، ويقال للماهية « أم الوجود » لأنها مظهر الوجود ، ويقال للعناصر الأربعة « الأمهات » لتوليد المواليد الثلاثة ، وقال الإمام المعصوم للخمر « أم الخبائث » لأنها سبب لكل الذنوب الأخرى ، ونظائره كثير . وكذا يقال للمجرة « أم النجوم » ولإمام الجماعة « أم القوم » .
ثالثا : تبين مما مر أن « الأم » بمعنى « القصد » . ورأيت في البحث أن الأم تعني أيضا الثمرة ، لأنها القصد والمقصود من الشجرة .
الوجوه المذكورة في معنى « أم أبيها » وبناء على ما مر تلوح لنا عدة وجوه في معنى « أم أبيها » : الوجه الأول إن فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ثمرة شجرة النبوة وحاصل عمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وصدف درر العصمة ولئاليها ، وقد استقرت بها السماوات العلوية والأرضون السفلية .
وبعبارة أخرى : إن الولد هو المقصود للأب والأم ، وفاطمة الزهراء ( عليها السلام ) خاصة هي المقصود الأصلي والأصل الكلي من بين بنات النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فمعنى « أم أبيها » أن فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) أصل النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهي الولد الذي كان يقصده ويريده النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويريد نتائجها الكريمة وفوائدها العظيمة المترتبة عليها من جهة البنوة ، ومن فضائلها النفسانية المطلوبة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) .
وعليه يكون معنى « أم » أي القصد والأصل والمقصود والمراد . وهذا المعنى ينسجم مع مذهب اللغويين ، بل والمحدثين أيضا .
وإذا أردنا تطبيق الكنية على الاستعمالات التي ذكرناها آنفا لكلمة الأم ، نراها صحيحة منسجمة بأجمعها . فيصح أن نسمي فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) : أم النجوم بلحاظ أبنائها .
ويصح أن نسميها « أم القرى » بلحاظ الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) .
ويصح أن نسميها « أم الرأس » بلحاظ التقدم وتناسل ذريتها الطيبة . وأم الجيش لأنها ملجأ النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأمته ، وانكسارها يعني الانكسار الفاحش للإسلام والمسلمين .
وقد قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « فاطمة روحي ومهجة قلبي ، وفاطمة مني وأنا من فاطمة » ، فهي أصل وجود النبي ( صلى الله عليه وآله) ، وحقيقته ، ومجمع الأنوار ومنبع الأسرار للرسالة ، وكأن النبي فاطمة وفاطمة هي النبي ، واتحاد نورهما ظاهر وبديهي .
وعلى أي حال ، فإن ما ذكر كان جملة من الشواهد على إثبات مرادي ، لتعلم أن فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) كانت مقصود النبي وثمرة فؤاده ورايته العظمى وظل الرحمة الوارفة وأصل وجود صاحب المقام المحمود ، وقد مدحها الله وذريتها .
الوجه الثاني أتذكر إني حضرت يوما بين جماعة من الفقهاء والمجتهدين ، وكان المرحوم الفقيه الفريد والمجتهد الوحيد الحاج ملا ميرزا محمد الأندرماني ( رحمه الله ) حاضرا ، فسألني عن معنى هذه الكنية الشريفة وطلب مني جوابا يصح عليه السكوت ، فانبرى له المرحوم المغفور فحل المحققين الحاج الآغا محمد نجل المرحوم ساكن الرضوان الآغا محمود الكرمانشاهاني عليهما المغفرة والرضوان وأجابه ببيان ظريف ، فاستحسنه السائل وأذعن لجوابه المليح ، واستفدت منه استفادة جمة وسوف لن أنسى حظي الوافر الذي نلته في ذلك المحضر الشريف .
قال : إن من الشائع على الألسن أن يخاطب الأب ابنه في مقام النصيحة بلغة الرأفة والترحم فيقول له : أبي العزيز . . بابا . . أبتا ، ويخاطب ابنته فيقول لها : أمي العزيزة . . أماه . . ماما ، وهذا النمط من الاستعمال شائع بين العرب والعجم من قبيل . . أخي . . أخي . . يا أخاه . . ونظائرها ، وهذا النوع من العبارات والإستعمالات تعبر عن فرط المودة والمحبة والشفقة والمبالغة في التعبير عن ذلك في مقام التخاطب بين الأب وأبنائه .
فيكون الاستعمال في « أم أبيها » إستعمالا مجازيا لا حقيقيا ، وهو عبارة عن أسلوب للتعبير المتداول بين الآباء والأبناء للإعراب عن المحبة والعطف ، وبذلك أراد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يخاطب ابنته العزيزة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) كأنه قال « يا أمي » ليحكي عن شدة حبه لابنته ، ويشهد له قوله في الحديث « يحبها ويكنيها بأم أبيها » .
والحق : إنه جواب يستقر في القلب ومعنى مليح صحيح .
الوجه الثالث لما توفيت الوالدة الماجدة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان النبي صغيرا ، فكفلته فاطمة بنت أسد ( عليها السلام ) أم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وخدمته - بإخلاص - غاية الخدمة ، وكانت تتعبد الله في ذلك ، حتى أنها كانت تقدمه على أبنائها : أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وطالب وعقيل وجعفر ، وقد شهد بذلك التاريخ والأثر الصحيح ، وكان النبي يخاطبها « أمي » ، ولما توفيت قال النبي لعلي ( عليه السلام ) : « إنها كانت أمي » ، فكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يناديها وينادي فاطمة الزهراء - وهي سميت أم خديجة الطاهرة - حبا لهما ب « أمي » وبذلك كان يتذكر خديجة المطهرة وفاطمة المكرمة التي رعته في طفولته . وكلا الإستعمالين من باب التجوز لا الحقيقة ، غير أنه كان يخاطب فاطمة بنت أسد « أمي » ، ويخاطب فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ب « أم أبيها » ، وفي الخطاب الأخير إحترام وتعظيم وتكريم إضافة إلى إبراز المحبة والوداد .
الوجه الرابع لما توفيت آمنة بنت وهب ( عليها السلام ) - أم النبي - ودفنت في الأبواء قرب المدينة على طريق الفرع - على المشهور - كان عمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) يومها ثمان سنوات أو أقل ، فكفلته وحضنته فاطمة بنت أسد ( عليها السلام ) ، إلا أنه ( صلى الله عليه وآله ) شهد علاقة خاصة ومحبة مخصوصة من الصديقة الكبرى ( عليها السلام ) منذ ولادتها وحتى وفاته ( صلى الله عليه وآله ) ، سواء كان في مكة أو في المدينة ، علاقة كانت تفوق علاقة البنوة والأبوة ، بل كانت علاقة استثنائية ، ولأن أي محبة لا تبلغ محبة الأم ، فكأنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يقول لفاطمة : أمي لم تمت . . أنت أمي .
بمعنى أن للنبي ثلاث أمهات : الأم الأصلية ، والأم التشريفية وأم المحبة .
وبديهي أن محبة الأمهات تختلف باختلاف مراتب أنسهن بأبنائهن ، وآمنة بنت وهب ( عليها السلام ) قضت ثمان سنوات - أو أقل - في خدمة النبي في فترة لم تعش فيها مضايقات قريش للمولى ( صلى الله عليه وآله ) ، بينما وفقت الصديقة الطاهرة لملازمة النبي والتشرف بخدمته وسعادة مرافقته لمدة ثمان سنوات في مكة المكرمة وعشر سنوات في المدينة الطيبة ، وشاهدت مضايقات أعداء الدين لخاتم المرسلين ، وعاشت معه بصدق وإخلاص كل المصاعب والمصائب ، ورافقته في ازدحام البلايا واقتحام الشدائد ، وتجلببت بالصبر والشكيمة والتحمل صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها . الوجه الخامس تظافر الشيعة والسنة على تخريج هذا الحديث في كتبهم .
قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « كل بني أنثى فإن عصبتهم لأبيهم ، ما خلا ولد فاطمة فإني أنا عصبتهم وأنا أبوهم » « وأنا وليهم » فهو ( صلى الله عليه وآله ) عصبتهم وأصلهم وأبوهم ، تنتهي إليه هذه الفروع النابتة والغصون النامية ، فصار جد بني فاطمة لأمهم أباهم ، وصارت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) أبا وأما لأبنائها وللسادات والذرية الطيبة النازلة منها ( عليها السلام ) .
وهذا المعنى لطيف ومناسب للمعنى السابق ، ونظائر هذا الاستعمال موجودة بكثرة كما روي « كل بني آدم من التراب ، وعلي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أبو التراب » .
ولما صار النبي ( صلى الله عليه وآله ) - بهذا المعنى - أبا ، وهو جدهم لأمهم ، صارت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) أم أبيها .
وأراد النبي ( صلى الله عليه وآله ) بهذا القول أن يظهر شرف فاطمة ويعطي شرفا آخر لأبنائها من حيث نسبتهم إليه ، وبعبارة أخرى أراد أن يقول تشريفا إني لست أبتر من الأب والولد ، فأمي فاطمة وأبنائي أبناؤها .
وبناء على ذلك وبمفاد قوله ( أبناءنا وأبناءكم ) يقول ولد ابنتي ولدي ، وأصلهم متصل بأصل العصمة والطهارة وشجرة النبوة والرسالة المباركة ، وشرف البنوة للنبوة شرف خاص ، والأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) - وإن كانوا أبناء أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من فاطمة - إلا أنهم كانوا يفتخرون ببنوتهم للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وهو شرف فوق شرف وفضيلة فوق فضيلة . وهذا المعنى لا يخلو من التكلف والتعقيد .
الوجه السادس لما نزل قوله تعالى ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ) في المدينة ، وتكنت كل واحدة من أزواج سيد الكائنات ب « أم المؤمنين » وافتخرن بأنهن صرن أمهات المؤمنين والمؤمنات ، فسألت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) لنفسها تشريفا ومزية عليهن ، فضمها النبي المختار إلى صدره كما يضم روحه العزيزة الحلوة ، وقبلها وشمها وكناها ب « أم أبيها » يعني إن كن نسائي أمهات أمتي ، فأنت أعلى قدرا وأجل رتبة لأنك « أمي » . ويؤيد ذلك قوله تعالى في تحريم نكاح زوجات النبي المطهر ( ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ) حيث أن الواضح من هذه الآية الكريمة أن أمومة زوجات النبي ( صلى الله عليه وآله ) الطاهرات للمسلمين أمومة من جهة التشريف والتعظيم ، وليست أمومة حقيقة . وذهب العامة إلى أن نساء النبي أمهات رجال المسلمين دون نسائهم .
روي أن امرأة من نساء المسلمين دعت عائشة قائلة « أمي » فقالت عائشة : إني أم رجالكم دون النساء ، لأن الحرمة وردت بخصوص الزوجات ولا تتعدى إلى بناتهن ، بل يمكن خطبتهن والزواج بهن ، وكيف يمكن الزواج ببنت الأم - إذا كانت أما حقيقة - ؟ والخلاصة : كان النبي الخاتم ( صلى الله عليه وآله ) يدعو فاطمة ( عليها السلام ) ب « أم أبيها » ، ومن جهة أخرى كان ينفى أبوته لأحد ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ) ويسمي الحسنين ( عليهما السلام ) ولده كما في الآية المباهلة من جهة أخرى ، لئلا يدعي أحد غيرهم هذه النسبة وهذا الشرف ، ويسمي أمير المؤمنين - في نفس هذه الآية - نفسه النفيسة ليثبت له الأولوية على النفوس الثابتة له بجميع مراتبها التي كانت له ، فهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما أن النبي كان كذلك إلا ما خرج بالدليل .
وهذه الآيات الشريفة تدل على غاية الإتحاد والوحدة بينهم ولا تبقى لأحد مقاما وفضلا مما ثبت في حق هؤلاء الأبرار الكرام والسادات العظام . وبهذا الوجه الوجيه المذكور للعالم الثقة النابه نقطع الكلام ، حيث تبين شأن النزول وعلة التسمية والتكنية وابتداء استعمالها ورواجها .
وقد تكون هناك احتمالات ووجوه أخرى يمكن الإشارة إليها في هذه الخصيصة ، ولكنا تركناها خوفا من إطالة الحديث في هذا الكتاب وأحلناها إلى الأذهان السليمة والآراء الصائبة لأهل الفضل والصواب ، راجيا الإغماض عن الزلل عما توصل إليه الخاطر القاصر
| |
|