الإدارة عضو ذهبي ممتاز
الجنس : عدد الرسائل : 6362 تاريخ التسجيل : 08/05/2008
| موضوع: السلوك القدوة الخميس فبراير 14, 2013 3:28 pm | |
|
السلوك القدوة إنّ من يختاره الله ويصطفيه لقيادة البشرية لابدّ وأن تتوفّر فيه أرفع الصفات وأعلاها، وأسمى النعوت وأحلاها، ليأخذ كل إنسان منه بطرف فيهيم الناس بحبه، وينتفعوا بسلوكه وأئمتنا (صلوات الله وسلامه عليهم) كانوا المثل الأعلى في السلوك الإنساني فلم يعرف عنهم رغم وجود الكثير من أعدائهم الذين يهتمون بالسقطات إلاّ أنهم خيرة البشرية في كل مصر وعصر ولم يستطع أعداؤهم أن يأخذوا عليهم ولو بغلطة صغيرة لا قيمة لها وكانوا (عليهم السلام) يقولون لمواليهم كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا. وتعال معي أيها الأخ لنأخذ كتب التاريخ والمناقب، لنتصفح تاريخ هذا الإمام المظلوم والغريب والقدوة، ليضيء لنا سلوكه الإنساني الرفيع فينير لنا الدرب البعيد المدى. فعن إبراهيم بن العباس الصولي أنّه قال: ما رأيت أبا الحسن الرضا جفا أحداً بكلمة قط. وما رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه. وما ردّ أحداً عن حاجة يقدر عليها. وما مدّ رجليه بين جليس له قط. ولا اتكأ بين يدي جليس له قط. ولا رأيته شتم أحداً من مواليه ومماليكه قط. ولا رأيته تفل قط. ولا رأيته يقهقه في ضحكه قط، بل كان ضحكه التبسم. كان إذا خلا ونصبت مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه حتى البواب والسائس. إلى أن قال: فمن زعم أنّه رأى مثله فلا تصدّقوه (1). ونزل به ضيف وكان جالساً عنده يحدّثه في بعض الليل فتغيّر السراج فمدّ الرجل يده ليصلحه فزبره أبو الحسن (عليه السلام) ثم بادره بنفسه فأصلحه ثم قال: إنّا قوم لا نستخدم أضيافنا (2). وعن المناقب دخل الرضا الحمام. فقال له بعض الناس: دلّكني! فجعل يدلّكه فعرفوه فجعل الرجل يتعذر منه، وهو يطيّب قلبه ويدلكه. ومن تواضعه الخلقي ما عن عمّه محمد بن الفضل: قال الرضا لبعض مواليه يوم الفطر وهو يدعو له: تقبّل الله منك ومنّا، ثم أقام حتى إذا كان يوم الأضحى قال له: يا فلان تقبّل الله منّا ومنك قال فقلت له: يا بن رسول الله قلت في الفطر شيئاً وتقول في الأضحى غيره. قال فقال: نعم، إنّي قلت في الفطر: تقبّل الله منك ومنّا، لأنّه فعل مثل فعلي وناسبت أنا وهو في الفعل وقلت له في الأضحى: تقبّل الله منّا ومنك لأنّه يمكننا أن نضحي ولا يمكنه أن يضحي فقد فعلنا غير فعله. وهكذا ينسجم الإمام الرضا مع رسالته في الأخلاق فيجسّدها عملاً رسالياً يتسلق به قمة الكمال الإنساني ويرتفع به إلى مشارف العظمة الذاتية وبهذا ومثله تعرف أصالة الإيمان وسموّ الذات ورفعتها. ويحدد لنا الإمام الرضا (عليه السلام) نظرية الإسلام في علاقات الإنسان مع أخيه الإنسان عملياً ببعض اللفتات الإنسانية الواقعية في سلوكه التي يمكن أن نستلهم منها فكرة إلغاء الإسلام للفوارق الطبقية القائمة بين الأفراد والجماعات في مجال الحقوق العامة ورعاية كرامة الإنسان وأن الفارق الذي يجب ملاحظته في هذه المجالات هو إطاعة الله ومعصيته. يقول رجل للإمام: والله ما على وجه الأرض أشرف منك أباً. فقال: التقوى شرّفتهم وطاعة الله أحظتهم (3). وقال له آخر: أنت والله خير الناس. فقال له: لا تحلف يا هذا، خير منّي من كان أطوع لله وأتقى له والله ما نسخت هذه الآية (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم). وقال أبو الصلت سألته: يا بن رسول الله ما شيء يحكيه الناس عنكم؟ قال: وما هو؟ قلت: يقولون إنّكم تدّعون أنّ الناس لكم عبيد! قال: اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت شاهد بأنّي لم أقل ذلك قط ولا سمعت أحداً من آبائي قاله قط وأنت العالم بما لنا من المظالم عند هذه الأمّة وأنّ هذه منها. ثم أقبل عليّ فقال: يا عبد السلام، إذا كان الناس كلهم عبيدنا على ما حكوه فممن نبيعهم؟ قلت: يا بن رسول الله صدقت. ثم قال: يا عبد السلام أمنكر أنت لما أوجب الله عزّ وجل لنا من الولاية كما ينكره غيرك. قلت معاذ الله، بل أنا مقرّ بولايتكم (4). فهو ينفي عن نفسه وعن آبائه ذلك الاتهام المغرض الذي يريد أعداؤهم أن يشنعوا عليهم من خلاله وقد جعله من جملة المظالم التي ارتكبتها الأمّة في حقهم فإنّهم يرون أنّ جميع الناس سواسية في الحقوق العامة ماعدا حق الولاية على الخلق التي فرضها الله لهم فإنّه ليس لغيرهم أن يدّعيها لنفسه ما عدا حق الطاعة لله في أخلص معانيها والتي غلت مراتبهم عند الله وعند الناس ما عدا هذا فالكل عبيد الله تجمعهم أم واحدة وأب واحد وربّ واحد. فعن عبد الله بن الصلت عن رجل من أهل بلخ قال: كنت مع الرضا في سفره إلى خراسان فدعا يوماً بمائدة له فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم. فقلت: جعلت فداك لو جعلت لهؤلاء مائدة. فقال: إنّ الربّ تبارك وتعالى واحد والأب واحد والأم واحدة والجزاء بالأعمال (5). فلا يرى الإمام فارقاً بينه وبين مماليكه وعبيده إلاّ في العمل وفيما عداه تلغى الفروق عندما يتعلّق الأمر بالحقوق العامّة التي يتساوى فيها جميع الأفراد فكل مخلوق وكلهم من آدم وآدم من تراب. وحينما نرى الإمام يجلس إلى مائدته ومن حوله مماليكه وبوابه وسائس دوابه فليس إلاّ ليعطي الأمة درساً في الإنسانية الفاضلة التي تؤمن بكرامة الإنسان وليعرض نظرية الإسلام عملياً في طبيعة السلوك الذي يجب أن يعتمده الإنسان في سلوكه مع أخيه الإنسان، فرفعة المقام وسموّ المركز لا يستدعيان أن يحتقر الإنسان من دونه في ذلك أو يشعره بوضاعة بشخصية ولو كان ذلك الإنسان عبداً مملوكاً ليتسبب من ذلك عقدة تباين الطبقات فتتسع الهوة بين أفراد الأمّة ويتوزع كيانها في فصائل متنافرة يمزّقها الحقد وتنهشها البغضاء (6). وقد اعتمد الإسلام قانون المساواة بين أفراد الأمة في مجال الحقوق العامة تحريراً لكرامة الإنسان من الالتزامات الطبقية التي كانت معاشة في الواقع الجاهلي وفي واقع الأمم السالفة. فقد قال الله تعالي: (إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم). وقال النبي (صلى الله عليه وآله): (كلكم لآدم وآدم من تراب). وقال (صلى الله عليه وآله): (لا فضل لعربي على أعجمي إلاّ بالتقوى). فعن إبراهيم بن العباس الصولي: سمعت علي بن موسى الرضا يقول: حلفت بالعتق، ولا أحلف بالعتق، إلاّ أعتقت رقبة وأعتقت بعدها ما أملك إن كان يرى أنّه خير من هذا - وأومأ إلى عبد أسود من غلمانه - بقرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلاّ أن يكون لي عمل صالح فأكون أفضل منه (7). وبهذا يحدّد لنا الإمام الخلق الإسلامي الأصيل في الحفاظ على كرامة الإنسان وإلغاء الامتيازات الطبقية، فيما عدا العمل الصالح فهو (عليه السلام) لا يرى أنّ قرابته من النبي (صلى الله عليه وآله) تعطيه امتيازاً على العبد الأسود ما لم يقترن بتلك القرابة عمل صالح يكون به الفضل والامتياز. قال لنا أبو الحسن: إن قمت على رؤوسكم وأنتم تأكلون فلا تقوموا حتى تفرغوا. ولربما دعا بعضنا فيقال: هم يأكلون فيقول دعوهم حتى يفرغوا. وعن نادر الخادم قال: كان أبو الحسن إذا أكل أحدنا لا يستخدمه حتى يفرغ من طعامه. هذه بعض النماذج العملية من أخلاقه وإنسانيته التي استمدها ميراثاً نقياً يعبق بالخير والرحمة من جدّه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) الذي توّج رسالته بشعار الأخلاق حين قال (صلى الله عليه وآله): (إنّما بعثت لأتّمم مكارم الأخلاق). ذلك التراث الإنساني الأصيل الذي تستمد الأمم قوتها من روحه وتبني عليه دعائم مجدها وتضمن به ديمومتها في البقاء. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1- عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ج 2 ص 184. 2- الكافي. 3- عيون أخبار الرضا ج 2 ص 226. 4- عيون أخبار الرضا ج 2 ص 226. 5- عيون أخبار الرضا ج 2 ص 226.
6- الإمام الرضا محمد جواد فضل ص 46. 7- عيون أخبار الرضا ج 2 ص 237.
| |
|