الإدارة عضو ذهبي ممتاز
الجنس : عدد الرسائل : 6362 تاريخ التسجيل : 08/05/2008
| موضوع: الإمام الحسين وتحديد الموقف من الظواهر الانحرافية الجمعة فبراير 22, 2013 5:28 am | |
| الإمام الحسين وتحديد الموقف من الظواهر الانحرافية ﴿ وإذ قالت أمة منهم لم تعضون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرة إلى ربي ولعلهم يتقون ﴾. بين الإمام الحسين في بداية انطلاقته موقفه من الانحرافات سواء على دائرة ضيقة أو عامة واسعة تنبسط إلى كل الدولة أوفي جميع مفاصل الحياة، فكان موقفه هو الرفض لهذه الانحرافات قائلاً: "إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي" أي سيقف ضد جميع الانحرافات على جميع المستويات حتى لو كان في ذلك حتفه وإراقة دمه، ودم أسرته وأهل بيته وأصحابه، وحتى لو بقي وحيداً في العالم سيرفض الظلم والانحراف بجميع أشكاله، بل جسّد هذه الحقيقة في أرض الواقع حين أُريقت تلك الدماء الطاهرة في كربلاء، فحتى رضيعه لم يسلم من القتل، ومن أطفاله من طحنته الخيول بسنابكها، ومنهم من كان يحتضن أخاه في حفرة يحتميان من حرارة الشمس من جهة ومن العطش الشديد من جهة أخرى وبقي ميتاً في تلك الحفرة. وقد حُرقت خيامه ، وسلبت نسائه وأطفاله. فقد أوضح الإمام الحسين موقفه أمام الانحراف بشتى أشكاله، وكان بإمكانه أن يسلم ويحصل على الدنيا وعلى المال بحسب الاصطلاح الطبيعي والتفكير المادي الساذج البسيط لمفهوم الحياة إلا أنه أراد أن يعلّم أحرار العالم والغيارى - مؤمناً كان أو غير مؤمن - درس الإباء، وكيف يكونوا كما اعترفوا هم بألسنتهم، فهذا البوذي المهاتما غاندي يقول: " تعلمت من الحسين أن أكون مظلوماً فانتصر"، وهذا الإمام الخميني "قده": " كل ما لدينا من عاشوراء ". فعاشوراء ملحمة عظيمة شملت جميع دروس الحياة التربوية والأخلاقية والفكرية والثقافية والروحية والمعنوية والإيمانية والتضحوية، ونجدها في ذلك الشيخ الكبير المسن الذي ربط شعر جبينه كي لا يسقط على عينه ليدافع عن الإمام الحسين وعن المبادئ والقيم لأنه رأى أن الإمام امتداد للرسول الأكرم انطلاقاً من قوله: " حسين مني وأنا من حسين ". فحقيقة ذلك هي القيم والمبادئ التي يحملها الإمام الحسين ، فإذا كان الإسلام محمدي الوجود فهو حسيني البقاء، لذا فإن الشيخ الطاعن في السن مسلم بن عوسجة يقاتل دون الحسين وأهل بيته ويسقط على الأرض، فيأتيه حبيب بن مظاهر، ويقول: " يا مسلم لولا عرفت أني اتبعك في الأثر لقلت لك أن توصيني" قال "رض" وهو يشير بيده إلى الإمام : " عليك بنصرة هذا الغريب "، قالها وهو مضرج بدمه على الأرض وهو لا يشعر بآلامه، لأن حب الإمام أخذ بمجاميع روحه وحب الله تعالى والذوبان فيه أنساه كل تلك آهات جسده، وهاهم أصحاب الإمام يقولون: "لو قطعت وذررت في الهواء ألف مرة لما تركتك يا حسين "، وحتى الطفل الصغير الذي قال: "أميري حسين ونعم الأمير"، فقد مثل حقيقة نكران الذات من أجل المبادئ والقيم، وذلك الشاب الذي لم يبلغ الحلم القاسم بن الحسن المجتبى أيضاً قال كلمته حين سأله الإمام الحسين: "ما ترى في الموت "؟ قال : "أحلى من الشهد فيك يا عم "، وتلك الطفلة الصغيرة التي تأتي إلى أبيها وتفرش سجادته لتعلمنا درس في تقوية العلاقة مع الله تعالى عن طريق الصلاة التي هي صلة بين العبد وربه، وتلك العجوز التي للتو دخلت في الإسلام هي وابنها وزوجته التي كانت تمانعه، وتعارضه ثم تلتحق به وتدافع عنه، فتجيب حين سئلت: " إن واعية الحسين كسرت قلبي"، وتلك المرأة التي تريد القتال ويقتل زوجها وابنها، ويقذف رأس ابنها عليها من الأعلى بكل قساوة وعنف فتقول: "بيضت وجهي أمام الزهراء بيض الله وجهك". وفي اليوم الثالث عشر بقي الإمام الحسين وأصحابه وأطفاله مضرجون أجساد بلا رؤوس، هكذا الحسين رسم لنا الطريق وبين موقفه، وبين لأحرار العالم كيف ينتصروا للحق، ويحافظوا على بقائهم، لأن بقاءهم مع الله من أعظم المعارك، كما بيّن النبي الأكرم يوم الخندق، حينما قال عمرو بن ود العامري: أما من مبارز؟ قال الرسول الأكرم : "من يبارز عمر بن ود وأضمن له الجنة؟ "، وكررها ثلاثاً، ولم يقم إلا علي بن أبي طالب فقال له : " إنه عمر"، فقال : "وأنا علي"، عندها قال الرسول كلمته في حق علي : "برز الإيمان كله إلى الكفر كله" فبرزت حقيقة الإسلام والإيمان وبقاءه بعلي بن أبي طالب، وما هي إلا سويعة وقد أردى عمر بن ود على الأرض واحتزّ رأسه، وإذا بكلمة الرسول الأكرم: " إن ضربة علي لعمر بن ودّ تعدل عبادة الثقلين إلى يوم القيامة"، وهذا يكفي لإثبات أفضلية علي فضلا عن مقامه وعن روايات أخرى. وهنا في أرض كربلاء جسّد الإمام الحسين نفس الحقيقة فإنه إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني، وكان وعسكره يمثل جبهة الحق، وأعظم معركة إنسانية إلهية ربانية على وجه الأرض، لأن ببقاء الإسلام وبنتاج هذه العطاءات الكربلائية الربانية، وأمام أعتى جبابرة الفسق والفجور والمجون قالها أن يزيد شارب الخمر متلاعب بالقردة والخنازير والكلاب وقاتل النفس المحترمة، ومثلي لا يبايع مثله، وعلى الإسلام السلام إذ ابتليت الأمة براعٍ مثل يزيد، يعني يزيد وأمثاله فإن اليزيديون كثيرون فنحتاج إلى حسين ليطهر هذه الأرض منهم ومن أتباعهم. فقد روى الطبري في تاريخه عن يزيد أنه تمثل بهذه الأبيات: لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل، يعني لو لم يناهض الإمام الحسين خط يزيد لانتهى كل شيء. ان هناك أربعة مواقف من الانحرافات، وهي موجودة عبر التاريخ، ولابد لكل شخص أن يحدد أين يضع قدمه: 1 - الراضين بالانحرافات والمتجاوبين مع الظاهرة الانحرافية: وهؤلاء لا يمارسون الانحراف، وإنما رضوا به ولو على المستوى النفسي والعاطفي كما في الروايات كالداخل معهم فيه، وعلى كل داخل في الباطل إثمان، إثم الراضي به، وإثم العامل به، فهناك حق وباطل، ففي الزيارة " ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به "، وفي الروايات: " من أحب عمل قوم حشر معهم"، "من أحب حجراً حشر معه "، من هنا نعرف أن أي إنسان يرضى بقتل الحسين ويترضى على قاتليه تشمله عبارة: " ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به "، وحين يخرج الإمام المنتظر "عج" يقولون: لم يأخذ بثأر الحسين؟ ألم يمت قتلته، والجواب هو حتى يؤخذ الثأر منهم. يقول أمير المؤمنين : " أمرنا رسول الله أن نلقى التارك للصلاة بوجوه مكفهرة"، وقال الرسول: " من تبسم في وجه تارك الصلاة فكأنما هدم الكعبة سبعين مرة "، وفي رواية أخرى: " من أعان تارك الصلاة ولو بشربة ماء كأنما حارب وجادل معي ومع جميع الأنبياء"، فالصلاة التي هي عمود الدين إن قبلت قبل ما سواها وإن ردت رد ما سواها. فمن الذي أعطى الصلاة معناها، وأحياها - بعد كانت تأخذ الصورة الشكلية وكادت تندثر - غير الإمام الحسين : " أشهد أنك أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، فلعن الله أمة قتلتك ولعن الله أمة ظلمتك ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به " فلقد أقام حقيقة الصلاة بإراقة دماءه وبتضحياته بالغالي والنفيس في كربلاء، فهي التي جعلت الصلاة تقام، وإلا كان ذلك يدعي أنه يصلي ويؤم المسلمين بصلاته التي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأي فحش هو الذي ارتكبه، وأي منكر فعله، فليس هناك أعظم من قتل أهل بيت رسول الله ، وانتهاك حرمته وسلب ثقله وإراقة الدماء والرسول الأكرم يقول: " حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، وأبغض الله من أبغض حسيناً "، ويقول" حسين سبط من الأسباط "، ويقول " الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا " وقد روى الذهبي هذه الرواية رغم تعصبه. 2 - الصامتين الذين لا يؤيدون ولا يعارضون: فيقولون ما لنا والدخول بين السلاطين، وهكذا أيضاً في كل زمن حينما يطلب من الإنسان اتخاذ أي موقف أمام الواقع والظواهر الانحرافية، يقول: " وما دخلي أنا؟ فقد قال تعالى: " لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" فيفسر القرآن على مزاجه، بينما المقصود من الآية لا يضركم ذلك حالة إذا أديتم واجبكم. وقد بقي البعض صامتاً في المدينة، وبعد أيام انكب على قدم الحجاج نتيجة لهذا السكوت، ومنهم من قال: العشاء مع معاوية أدسم، والصلاة مع علي أتم، والوقوف على التل أسلم، وهذا الصنف يلحق بالمنحرفين، ففي الرواية: "لا يزال الناس في خير أو بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر فإذا لم يفعلوا، أو تركوا ذلك نزعت منهم البركات وسلّط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر لا في الأرض ولا في السماء ". والإمام الحسين يقول: "إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله لآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي فأمري وأمره إلى الله ". فقد كان يجسد حقيقة الإيمان من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهكذا ينبغي للمؤمن، وإلا تنزع البركات ويسلّط البعض على الآخر. 3 - المثبطون: للعاملين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وهم موجودون في كل جيل: حتى مع الإمام الحسين هناك من ثبط، وإن كان بحسن نية، ومع مسلم بن عقيل الذي كان معه على الأقل ثمانية عشر ألفاً ينتهي من صلاته ليس معه أحد، فيبقى حائراً في الكوفة يبحث عن ملجأ، فقد كانت الأم تثبط زوجها وابنها قائلة: ما لك والدخول بين السلاطين، واليوم أيضاً هناك من ينادي قائلاً من أنت حتى تقف أمام الشيطان الأكبر "أمريكا وإسرائيل وأمام هذه القوى العظمى والكبرى، وهذه أساليب القوى الاستكبارية تدخل في أوساط الناس وتثبطهم بشكل مباشر أو غير مباشر. وهذا لأن المثبطون يدركون أو لا يدركون كما في الآية "الذين قالوا للناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم" لا يعرفون أن القوة لله جميعاً، ولا يعلمون أن من يكون مع الله تعالى يفوز بالنصر المؤزر، كما ورد في قوله تعالى: "إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم". فجميع الانتصارات في العالم والتي أرجعت الصحوة الإسلامية الحقيقة كانت تنادي يا حسين، وانتصار الثلة المؤمنة في جنوب لبنان على إسرائيل - أعتى قوة في الشرق الأوسط والتي تملك أكثر من 250 رأس نووي والمدعومون من كل العالم حتى من الإسلاميين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة - والقوى الكبرى بنداءات يا حسين لأنهم كانوا يحملون روحه ، ويحملون الشجاعة الحيدرية والإباء والعنفوان الحسيني والبسالة العباسية، فهم كما قال تعالى: " إنهم فتية آمنوا بربهم فزدناهم هدى"، ومع ذلك هناك من يقول أنتم لا تستطيعون التغلب على هذه القوى، وهكذا إمبراطورية الشاه التي كانت تمثل شرطي المنطقة سقطت بنداءات يا حسين، ولذلك كما أسلفنا، قال الإمام "قده": " كلما لدينا من عاشوراء ". 4 - الواعون المؤمنون الحقيقيون: وهم الذين يملكون وعياً ونضجاً لحركة النهضة الحسينية من جهة، وواقع الأمة من جهة أخرى، ولكل التحركات التي تدور حولهم، فيحسبون ألف حساب لكل حركة يتحركونها، ولأي موقف يتخذونه فكانوا يعيشون حالة الوعي والنضج والتريث والتعقل في اتخاذ المواقف، فلا يكترثون للكلام الذي يصدر من المثبطين مثل: "هذه قريش ما ذلت منذ عزت "، فقد كان ينبري أبو ذر وأمثاله فيقول: "والله يا رسول الله لو خضت غمار هذا البحر لا تبعناك " فاستبشر بهذا القول لأنه علم أنه يعيش الوعي. وقد أراد أن يوضح ذلك أمير المؤمنين في صفين حين رفعوا المصاحف حيث قال: "أعيروني جماجمكم وسواعدكم ساعة أريكم من هو معاوية فو الله أنا أعرف به منكم فلقد عرفته طفلا وشاباً"، والبعض يقول 200000 رجل لا يُرى منهم إلا حدائق أعينهم يقولون أقبل بالتحكيم وإلا قتلناك، لأن هؤلاء ليسوا عمار ولا أبو ذر، ولا مالك الأشتر، - الذين يعيشون الوعي - الذين يقولون: " والله لو لحقتم بنا إلى سعفات هجر ما زلنا نقول أننا على حق وأنكم على باطل ". هكذا هم أصحاب الإمام الحسين ، واقرؤوا خطبهم في كربلاء، فهي خير شاهد على الوعي، فقد ضحوا بكل ما لديهم من أجل المبادئ والقيم، وأنكروا وجودهم وذاتهم فلا وجود لهم إلا به، وبالدفاع عنه وعن القرآن وعن الرسول الذي يقول عنه الله تعالى: " وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى "، ويقول أيضاً: " وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا "، وكانوا يتبعون هذه الحقيقة بإتباعهم الإمام الحسين وهاهم في مثل هذا اليوم مجزرين كالأضاحي لكنهم لا زالوا مخلدين في قلوب المؤمنين".
الشيخ عبدالجليل الزاكي
| |
|