من حكم الإمام السجاد عليه السلام المواساة والإحسان
كان الإمام السجاد (عليه السلام) يحث شيعته وأصحابه على المواساة والإحسان فيما بينهم لأنه خير ضمان لوحدتهم، واجتماع لكلمتهم، وقد أثر عنه كثير من الأخبار في ذلك وهذه بعضها: 1- قال (عليه السلام): (إن أرفعكم درجات، وأحسنكم قصوراً وأبنية - يعني في الجنة - أحسنكم إيجاباً المؤمنين، وأكثركم مواساة لفقرائهم، إن الله ليقرب الواحد منكم إلى الجنة بكلمة طيبة
يكلم بها أخاه المؤمن الفقير، بأكثر من مسيرة ألف عام يقدمه، وإن كان من المعذبين بالنار، فلا تحتقروا الإحسان إلى إخوانكم، فسوف ينفعكم حيث لا يقوم مقام غيره..)(1) لقد حث الإمام (عليه السلام) على مواساة الفقراء والإحسان إليهم، وذكر ما يترتب عليه من الأجر الجزيل عند الله، وعد من المواساة الكلمة الطيبة التي يقدمها الإنسان المسلم لأخيه، لأنها مما توجب شيوع المودة والألفة بين المسلمين.
2- قال الإمام (عليه السلام): (من بات شبعاناً وبحضرته مؤمن جائع طاو فإن الله تعالى يقول لملائكته: اشهدوا على هذا العبد أمرته فعصاني، وأطاع غيري، فوكلته إلى عمله، وعزتي وجلالي لا غفرت له أبداً..)(2).
ويعتبر هذا الحديث وأمثاله مما أثر عن أئمة أهل اليبت (عليهم السلام) من العناصر الرئيسية في بناء التكافل الاجتماعي الذي أسسه الإسلام، والذي يقضي - بصورة جازمة - على الفقر والحرمان.
3- قال (عليه السلام): (من كان عنده فضل ثوب فعلم أن بحضرته مؤمناً يحتاج إليه، فلم يدفعه إليه أكبه الله على منخريه في النار)(3).
إن الإسلام بكل اعتزاز وفخر يعتبر الفقر كارثة اجتماعية مدمرة، يجب القضاء عليه بكل السبل والوسائل، وقد حشد جميع أجهزته لإبادته، وإنقاذ المجتمع منه.
4- قال (عليه السلام): (إني لأستحيي من ريب أن أرى أخاً من إخواني، فاسأل الله له الجنة وأبخل عليه بالدينار والدرهم، فإذا كان يوم القيامة قيل لي: لو كانت الجنة لك لكنت با أبخل، وأبخل، وأبخل..)(4).
ويحكى هذا الحديث عن مدى تعاطف الإمام (عليه السلام) أمام قضايا البر والإحسان، وحثه عليهما.
5- قال (عليه السلام): (من أطعم مؤمناً حتى يشبع، لم يدر أحد من خلق الله ما له من الأجر في الآخرة لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا الله رب العالمين.. وأضاف الإمام قائلاً: من موجبات المغفرة إطعام المسلم السغبان(5)، ثم تلا قوله تعالى: (أو إطعام في يوم ذي مسغبة * يتيماً ذا مقربة * أو مسكيناً ذا متربة).
وفي هذا الحديث دعوة إلى إطعام الجائع، ودفع السغب عنه، وقد حث الإسلام على ذلك واعبره ضرورة إسلامية ملحة يسأل عنها الإنسان المسلم، ويحاسب عليها خصوصاً إذا كان الفقير في حاجة ماسة إلى الطعام.
6- قال (عليه السلام): (من قضى لأخيه حاجة قضى الله له مائة حاجة، ومن نفّس عن أخيه كربة نفّس الله عنه كربه يوم القيامة، بالغاً ما بلغت، ومن أعانه على ظالم له، أعانه الله على إجازة الصراط عند دحض الأقدام، ومن سعى له في حاجة حتى قضاها له فسر بقضائها، كان كإدخال السرور على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن سقاه من ظمأ، سقاه الله من الرحيق المختوم، ومن أطعمه من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن كساه من عري، كساه الله من إستبرق وحرير، ومن كساه من غير عري لم يزل في ضمان الله ما دام على المكسي من الثوب سلك، ومن كفاه ما أهمه أخدمه الله من الولدان، ومن حمله على راحلة بعثه الله يوم القيامة على ناقة من نوق الجنة يباهي به الملائكة، ومن كفنه عند موته كساه الله يوم ولدته أمه إلى يوم يموت، ومن زوجه زوجة يأنس بها، ويسكن إليها آنسه الله في قبره بصورة أحب أهله إليه، ومن عاده في مرضه حفته الملائكة تدعو له حتى ينصرف، وتقول: طبت، وطابت لك الجنة.. والله لقضاء حاجته أحب إلى الله من صيام شهرين متتابعين باعتكافهما في الشهر الحرام..)(6).
إن هذه التعاليم الرفيعة التي أعلنها الإمام (عليه السلام) مما توجب تضامن المسلمين وشيوع المودة والرحمة والتعاطف بينهم.
7- قال (عليه السلام): (يحشر الناس يوم القيامة أعرى ما يكون، وأجوع ما يكون، وأعطش ما يكون، فمن كسى مؤمناً في دار الدنيا كساه الله من حلل الجنة، ومن أطعم مؤمناً في دار الدنيا أطعمه الله من ثمار الجنة ومن سقى مؤمناً في دار الدنيا شربة، سقاه الله من الرحيق المختوم..)(7).
إن الإسلام يحرص كل الحرص على إبادة الفقر والبؤس، ونفي الحاجة من المجتمع الإسلامي وقد ضمن الجزاء الأوفى في دار البقاء لمن يقوم بإسعاف أخيه وبره.
8- قال (عليه السلام): (من أطعم مؤمناً من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى مؤمناً عن ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم، وأيما مؤمن كسى مؤمناً من عرى، لم يزل في ستر الله وحفظه ما بقيت منه خرقة..)(
.
إن هذه المبادئ التي رفع شعارها الإمام (عليه السلام) تمثل جوهر الإسلام وواقعه ولو طبقها المسلمون على واقع حياتهم لكانوا سادة الأم والشعوب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- تفسير البرهان ج 1 ص 44.
2- عقاب الاعمال ص 30.
3- محاسن البرقي ج 1 ص 97.
4- سير أعلام النبلاء ج 4 ص 239 تهذيب الكمال ق 2 ص 338 مصور.
5- أي: الجائع.
6- ثواب الأعمال ص 81.
7- الإمام زين العابدين ص 194.
8- المؤمن ص 19 للحسين بن سعيد الأهوازي من مخطوطات مكتبة السيد الحكيم تسلسل 196 وقد قامت بتحقيقه ونشره مدرسة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) في قم سنة 1404 مع كتاب التمحيص للشيخ أبي علي محمد بن همام الإسكافي المتوفي سنة 336 هـ وقد ورد هذا الحديث تحت رقم 159 ص 63.
موقع 14 معصوم