من حكم الإمام السجاد عليه السلام الدعوة إلى الدين
وتقدم رجل إلى الإمام (عليه السلام) فسأله عن الدعوة إلى الدين؟ فقال (عليه السلام) له: (أدعوك إلى الله تعالى، وإلى دينه، وجماعه أمران: الأول: معرفة الله، والآخر العمل برضوانه، وإن معرفة الله أن تعرفه بالوحدانية، والرأفة، والرحمة، والعلم والقدرة، والعلو على كل شيء، وأنه النافع، الضار، القاهر لكل شيء، الذي لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، وأن محمداً عبده ورسوله،
وأن ما جاء به هو الحق من عند الله تعالى، وأن ما سواهما هو الباطل، فإذا أجابوا إلى ذلك فلهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين..)(1).
إن الدعوة إلى الدين، والدخول في حظيرته يتركزان أن على معرفة الله تعالى، والإيمان بوحدانيته والاعتراف بنبوة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، ومن اعترف بكلا الأمرين جرت عليه أحكام الإسلام من حقن دمه وصيانة أمواله ومعاملته كبقية المسلمين.
التحذير من بعض المحرمات:
وحذر الإمام (عليه السلام) من اقتراف بعض الحرمات لأنها مما توجب بُعد الإنسان عن ربه، وتلقيه في شر عظيم قال (عليه السلام): (اتقوا المحرمات كلها، واعلموا أن غيبتكم لأخيكم المؤمن من شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله) أعظم في التحريم من الميتة، قال الله تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه)(2) وغن الدم أخف في التحريم عليكم أكله من أن يشي أحدكم بأخيه المؤمن من شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله) إلى سلطان جائر، فإنه يهلك نفسه وأخاه المؤمن، والسلطان الذي وُشي به إليه، وإن لحم الخنزير أخف تحريماً من تعظيمكم من صغر الله، وتسميتهم بأسمائنا أهل البيت، وتلقيبهم بألقابنا، وقد سماهم الله بأسماء الفاسقين، ولقبهم بألقاب الفاجرين، وأن ما أهل به لغير الله، أخف تحريماً عليكم من أن تعقدوا نكاحاً، أو صلاة جماعة، مع أعدائنا الغاصبين لحقوقنا، إذا لم يكن منكم تقية، قال الله تعالى: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه)(3) ومن اضطره اللهو إلى تناول شيء من هذه المحرمات وهو معتقد لطاعة الله فلا إثم عليه..(4) لقد حذر الإمام (عليه السلام) من اقتراف جميع المحرمات، وأكد بصورة خاصة على اجتناب المحرمات التالية:
(أ) الغيبة: لأنها توجب تصدع الوحدة الإسلامية، وشيوع الكراهية والبغضاء بين المسلمين، ومن المقطوع به أن من كان قلبه عامراً بالإيمان بالله فإنه يبتعد عنها، وكان الإمام (عليه السلام) يحذر منها في كثير من نصائحه، فقد قال له رجل: إن فلاناً ينسبك إلى الضلال والبدعة، فأنكر الإمام عليه ذلك وقال له: (ما رعيت حق مجالسة الرجل حيث نقلت كلامه إلينا، ولا رعيت حقي حيث أبلغتني عن أخي ما لست أعلمه، إن الموت يعمنا، والبعث محشرنا ويوم القيامة موعدنا، والله يحكم فينا، إياك والغيبة فإنها إدام كلاب أهل النار، واعلم أن من أكثر عيوب الناس شهد عليه الإكثار أنه إنما يطلبها بقدر ما فيه..)(5).
(ب) الوشاية بالمؤمن إلى السلطان الجائر: فإنها من أعظم الموبقات لأنها تؤدي إلى التدمير الشامل.
(ج) إضفاء الألقاب الكريمة التي تلقب بها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على الظالمين الذين أشاعوا الجور والفساد في ذلك العصر.
(د) الاتصال بالظالمين والعمل معهم فإن ذلك يؤدي إلى تقوية مركزهم وإعلاء شأنهم.. هذه بعض محتويات كلام الإمام (عليه السلام).
التحذير من الطمع:
دعا الإمام (عليه السلام) إلى التحرر من ذل الطمع، قال (عليه السلام): (رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عما في أيدي الناس، ومن لم يرج الناس في شيء، ورد أمره إلى الله تعالى في جميع أموره، استجاب الله له كل شيء..)(6).
إن للطمع آفات خطيرة على الإنسان فهي تورده المهالك، وتلقيه في شر عظيم، والدعوة إلى التحرر منه إنما هي دعوة إلى الكمال، والسمو، والارتقاء.
شكر المحسن:
وأكد الإمام (عليه السلام) على ضرورة شكر المحسن، حتى لا يضيع المعروف، قال (عليه السلام): (إن الله تعالى يحب كل قلب حزين، ويحب كل عبد شكور ويقول الله لعبد من عبيده يوم القيامة: أشكرت فلاناً؟ فيقول: بل شكرتك يا رب فيقول الله سبحانه: لم تشكرني إن لم تشكره.
وأضاف الإمام بعد ذلك قائلاً: أشكركم أشكركم للناس..)(7) .
إن شكر المنعم والمحسن ضرورة إسلامية ملحة ليبقى المعروف والإحسان بين الناس، ويشجع المحسنون على عمل الخير والبر، وإسداء الخدمات الاجتماعية للناس.
الأمر بالمعروف:
ومن أبرز المبادئ الإسلامية الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فقد تبنى ذلك الاسم بصورة إيجابية، من أجل أن تسود العدالة الاجتماعية بين الناس، ولا يبقى منكر، ولا اعتداء، ولا ظلم، على واقع الحياة العامة بين الناس، وقد تواترت الأخبار عن أئمة الهدى (عليهم السلام) على ضرورته ولزومه، يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام): (التارك للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر كنابذ كتاب الله وراء ظهره، إلا أن يتقي تقاة، فقيل له: ما تقاته؟ قال: يخاف جباراً أن يفرط عليه، أو أن يطغى..)(
.
إن الخوف من الجبار العنيد يسقط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن المكلف، وقد ذكر الفقهاء في رسائلهم العملية شروط القيام بهذا الواجب الإسلامي الخطير.
فضل الكلام على السكوت:
سال رجل الإمام (عليه السلام) عن السكوت والكلام، أيهما أفضل؟ فقال (عليه السلام): (لكل واحد منهما آفات، فإذا سلما من الآفات، فالكلام أفضل وانبرى إليه شخص فقال له:
(كيف ذلك يا ابن رسول الله؟).
فأجابه (عليه السلام): (إن الله سبحانه لم يبعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت، إنما بعثهم بالكلام، ولا استحق الجنة بالسكوت، إنما ذلك كله بالكلام، وما كنت لأعدل القمر بالشمس..)(9).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- التهذيب للطوسي ج 2 ص 47.
2- سورة الحجرات: آية 11.
3- سورة البقرة: آية 173.
4- بحار الأنوار ج 7 ص 331 الطبعة الأولى.
5- مشكاة الأنوار ص 291 احتجاج الطبرسي ص 172.
6- أصول الكافي: باب الاستغناء عن الناس وسائل الشيعة ج 6 ص 314.
7- أصول الكافي: باب الشكر.
8- حلية الأولياء ج 3 ص 140 طبقات ابن سعد ص 2135.
9- الاحتجاج ص 172 الطبعة الأولى.
موقع 14 معصوم