من حِكَم الإمام السجاد عليه السلام
لقد أدلى الإمام زين العابدين (عليه السلام) بكثير من الحكم القيمة، والتعاليم الرفيعة التي انبعثت عن خبرته الكاملة لواقع الحياة، وتعمقه في شؤونها الاجتماعية، وخبرته بأحوال الناس، وأمورهم، وفيما يلي بعض ما أثر عنه: ذم التكبر: ذم الإمام (عليه السلام) التكبر، ونعى على المتكبر هذه الظاهرة السيئة لأنها باب لكل شر ومصدر لكل رذيلة، فالمتكبر لا يرى غيره يستحق الحياة،
ومن ثم يقوم بالظلم والاعتداء على الناس، يقول (عليه السلام): (عجبت للمتكبر الفجور، الذي كان بالأمس نطفة ثم غداً هو جيفة). إن المتكبر على الناس الفخور بنفسه، لو تأمل ذاته قليلاً ونظر إلى بداية تكوينه، ونهاية مصيره لما تكبر على الناس، وفخر بما يتمتع به من مال أو بنين.
من مأمنه يؤتى الحذر(1):
ومن كلماته الحكمية الخالدة هذه الكلمات الذهبية الرائعة، قال (عليه السلام): (من مأمنه يؤتى الحذر، يكتفي اللبيب بوحي الحديث، وينبو البيان عن قلب الجاهل، ولا ينتفع بالقول، وإن كان بليغاً مع سوء الاستماع..)(2) أما معطيات هذه الكلمات البليغة فهي:
1- إن الحذر يؤتى من مأمنه: ومعنى ذلك أن من يقيم حرساً مكثفاً للحفاظ على حياته كما يفعل الملوك، والرؤساء، فإن ما يحذرونه يأتي - على الأكثر - من أولئك الحراس، فإنهم هم الذين يفتكون بهم كما وقع ذلك كثيراً مع بعض الملوك.
2- إن اللبيب المتفتح ذهنه هو الذي يفهم الأمور من وحي الحديث، وقرائن الأحوال ولا يحتاج إلى التعمق والبسط في القول.
3- إن البيان يبتعد عن قلب الجاهل، ولا يصل إليه لأنه قد ران عليه الجهل فصده عن فهم الأمور.
4- إن بلاغة القول وحكمته لا ينتفع بهما مع سوء الاستماع، وإنما ينتفع بهما مع الإصغاء.
التحذير من المراء:
حذر الإمام (عليه السلام) من المراء، وهو المجادلة التي لا يقصد منها الوصول إلى الحق، وإنما المقصود المغالبة والاستعلاء قال (عليه السلام): (المراء يفسد الصداقة القديمة، ويحل العقدة الوثيقة، وأقل ما فيه أن تكون به المغالبة، والمغالبة من أمتن أسباب القطيعة)(3) إن المراء مفتاح للشر، ويلقي بين الناس العداوة والبغضاء، ويسبب لهم كثيراً من المصاعب والمشاكل.
الابتهاج بالذنب:
إن الابتهاج بالذنب، والافتخار به ينم عن تمادي الشخص في الجريمة قال (عليه السلام): (إياك والابتهاج بالذنب، فإن الابتهاج بالذنب أعظم من ركوبه)(4).
أنواع الذنوب:
أما أنواع الذنوب التي توجب سخط الله وعذابه فقد تحدث الإمام عنها، وحذر منها ليكون الإنسان في سلامة من دينه ودنياه، قال (عليه السلام): (الذنوب التي تغير النعم البغي على الناس، والزوال عن العادة في الخير، واصطناع المعروف، وكفران النعم، وترك الشكر، قال الله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
والذنوب التي تورث الندم قتل النفس التي حرم الله، قال الله تعالى في قصة قتل قابيل حين قتل أخاه فعجز عن دفنه: (فأصبح من النادمين) وترك صلة القرابة حتى يستغنوا، وترك الصلاة حتى يخرج وقتها، وترك الوصية ورد المظالم، ومنع الزكاة حتى يحضر الموت، وينغلق اللسان.
والذنوب التي تنزل النقم عصيان العارف، والتطاول على الناس، والاستهزاء بهم، والسخر بهم. والذنوب التي تدفع النعم إظهار الافتقار، والنوم عن العتمة(5)، وعن صلاة الغداة، واستحقار النعم، وشكوى المعبود، والذنوب التي تهتك العصم شرب الخمر، واللعب بالقمار، وتعاطي ما يضحك الناس من اللغو والمزاح وذكر عيوب الناس، ومجالسة أهل الريب. والذنوب التي تنزل البلاء ترك إغاثة الملهوف، وترك معونة المظلوم، وتضييع الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر والذنوب التي تديل الأعداء المجاهرة بالظلم، وإعلان الفجور، وإباحة المحظور، وعصيان الأخيار، واتباع الأشرار. والذنوب التي تعجل الفناء قطيعة الرحم، واليمين الفاجرة، والأقوال الكاذبة والزنا، وسد طرق المسلمين، وادعاء الإمامة بغير حق، والذنوب التي تقطع الرجاء اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله، والثقة بغير الله والتكذيب بوعد الله، والذنوب التي تظلم الهواء السحر والكهانة، والإيمان بالنجوم، والتكذيب بالقدر، وعقوق الوالدين، والذنوب التي تكشف الغطاء الاستدانة بغير نية الأداء، والإسراف في النفقة على الباطل، والبخل على الأهل والولد وذوي الأرحام، وسوء الخلق، وقلة الصبر، واستعمال الضجر، والاستهانة بأهل الدين والذنوب التي ترد الدعاء سوء النية وخبث السريرة، والنفاق مع الإخوان، وترك التصديق بالإجابة وتأخير الصلوات المفروضات حتى تذهب أوقاتها، وترك التقرب إلى الله عز وجل بالبر والصدقة، واستعمال البذاء والفحش في القول، الزور، وكتمان الشهادة، ومنع الزكاة والفرض والماعون وقساوة القلوب على أهل الفقر والفاقة، وظلم اليتيم والأرملة، وانتهار السائل ورده بالليل..)(6).
لقد حذر الإمام (عليه السلام) من اقتراف هذه الذنوب والجرائم التي توجب انحراف الإنسان في سلوكه، وتبعده عن خالقه، وقد ذكر الإمام آثارها الوضعية، وما يترتب عليها من المضاعفات السيئة في الدنيا قبل الدار الآخرة، ومن الحق أن هذا الحديث وأمثاله من أحاديث الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) - في هذا الموضوع - من المناجم الخصبة في تربية النفس، وتهذيبها، وتنظيم توازنها وسلوكها.
حقيقة الموت:
ووصف الإمام (عليه السلام) حقيقة الموت بالنسبة للمؤمنين والكافرين، بقوله: (الموت للمؤمن كنزع ثياب وسخة، وفك أغلال ثقيلة، والاستبدال بأفخر الثياب، وأوطأ المراكب، وللكافر كخلع ثياب فاخرة، والنقل من منازل أنيسة، والاستبدال بأوسخ الثياب، وأخشنها، وأوحش المنازل وأعظمها..)(7).
لقد تواترت الأخبار عن أئمة الهدى(عليهم السلام) أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، فإذا حل الموت بالمؤمن فإنه لا يجد فيه أية صعوبة، وإنما يجد الراحة الكبرى لأنه ينتقل إلى نعيم الآخرة تبوأ الفردوس حيثما يشاء، وأما الكافر فإذا نزل الموت بساحته فإنه يوم شقائه وبلائه، ويواجه الموت بحسرات وآلام لأنه ينتقل من جنة إلى سجن وعذاب دائم.
أهم أنواع الزهد:
سأل شخص الإمام زين العابدين (عليه السلام) عن الزهد، فقال (عليه السلام): الزهد عشرة أشياء، فأعلى درجة الزهد أدنى درجة الورع، وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين، وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرضا(
، ألا وإن الزهد في آية من كتاب الله قوله: (لكيلا تأسوا على فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم)(9) وألم هذا الحديث الشريف ببعض الحقائق العرفانية، منها:
(أ) إن أسمى درجة من الزهد لا تعادل أدنى درجة من الورع عن محارم الله الناشئ عن ضبط النفس، والسيطرة عليها.
(ب) إن ارقى درجة من الورع هي أدنى درجة من اليقين بالله تعالى الذي هو من أسمى مراحل الإيمان.
(ج) إن أعلى مرتبة من اليقين هي أدنى درجة من الرضا بما قسم الله، فإنه جوهر الإيمان.
(د) أن حقيقة الزهد قد ألمت به الآية الكريمة التي حذرت من الأسى والحزن على ما يفوت الإنسان من المنافع في دار الدنيا، كما حذرت من الفرح والابتهاج بما يكسبه الإنسان ويظفر من ملاذ هذه الحياة وخيراتها المادية، لأنها تؤول إلى التراب.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1- لقد عرف الجاهليون هذا المثل.
2- تذكرة ابن حمدون ص 26.
3- زهر الآداب ج 1 ص 102.
4- الدر النظيم ص 173.
5- العتمة: هي وقت صلاة العشاء.
6- معاني الأخبار للصدوق ص 78.
7- معاني الأخبار للصدوق باب 136.
8- أصول الكافي: باب ذم الدنيا.
9- سورة الحديد: آية 57.
موقع 14 معصوم