منتديات قرية الطريبيل
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات قرية الطريبيل

إسلامي - علمي - تربوي - ثقافي- مناسبات - منوعات
 
الرئيسيةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الإمام زين العابدين وروحانية الحركيين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الإدارة
عضو ذهبي ممتاز
عضو ذهبي ممتاز
الإدارة


الجنس : ذكر
عدد الرسائل : 6362
تاريخ التسجيل : 08/05/2008

الإمام زين العابدين وروحانية الحركيين Empty
مُساهمةموضوع: الإمام زين العابدين وروحانية الحركيين   الإمام زين العابدين وروحانية الحركيين Emptyالأربعاء فبراير 27, 2013 11:59 am

الإمام زين العابدين وروحانية الحركيين

إن من يتأمل سيرة الإمام علي بن الحسين ، يلحظ عدة سمات تتميز بها هذه الشخصية الإسلامية الكبيرة، فحياته مليئة بالأحداث، وتاريخه مليء بالإنجاز والحركة والتجارب، ويخطئ من يظن أن حياة الإمام مقتصرة فقط على الجانب الروحاني كالدعاء والمناجاة والصلاة والصوم وغيرها من سائر العبادات، ومنعزلة عن الواقع وهمومه ومشاكله، فشخصيته هي شخصية الروحانيين الحركيين إن صح التعبير، وليست كشخصية الكثيرين من أصحاب الروحانية أو مدعيها الذين هم إن صح تسميتهم بروحانيين، فروحانيتهم روحانية ساكنة وخاملة وجامدة، لأنها تهمل الواقع ولا تتفاعل معه، ولكن الإمام وعلى العكس من هؤلاء، تتميز شخصيته بروحانية حركية تفاعلية تتفاعل مع قضايا المجتمع، وتسهم في علاج مشاكله وحل معضلاته، فهو وعلى الرغم من سموه الروحي لا يهمل الواقع، وإنما هو في تفاعل دائم ومستمر معه، طبعاً بالكيفية التي تسمح بها الظروف والإمكانات.

وهكذا كان الإمام السجاد يعيش الواقع حتى في أدعيته ومناجاته المأثورة عنه، فهي جزء من تفاعله مع الواقع الذي يعيشه، إذ جاءت لعلاج الجفاف الروحي لدى الناس في زمانه بعدما طغت عليهم الجوانب المادية كما يقول الشهيد السيد محمد باقر الصدر في مقدمته التي كتبها على الصحيفة السجادية.

ولو دققنا في مضامين بعض الأدعية الواردة عنه لرأينا الارتباط الكبير والواضح بينها وبين الواقع، فنحن لو قرأنا مثلاً دعاء مكارم الأخلاق، ومررنا بقوله : «وسددني لأن أعارض من غشني بالنصح، وأجزي من هجرني بالبر، وأثيب من حرمني بالبذل، وأكافئ من قطعني بالصلة، وأخالف من اغتابني إلى حسن الذكر، وأن أشكر الحسنة وأغضي عن السيئة»، لرأينا أن هذا المقطع من الدعاء، وإن كان يدل على سمو شخصية الإمام الروحية، إلا أنه أيضاً يحمل في عباراته إرشادات لعلاج الكثير من المشاكل الاجتماعية التي تعاني منها الأمة.

مع الإمام زين العابدين في روحانيته الحركية:

تتميز روحانية الإمام الحركية بعدة خصائص ومميزات، وسوف نقف عند بعضها من خلال النقاط التالية:

روحانية لا تهمل العمل وطلب الرزق:

إن بعض دعاة الروحانية من رجال الدين ومن غيرهم من عامة الناس، نراهم لا يعملون أو لا يهتمون بالعمل والسعي لطلب الرزق إما لإعتمادهم على غيرهم أو لقلة مبالاتهم وإعتقادهم بأن ذلك من علامات الإيمان والزهد وغيرها من الأمور.

وأتذكر أن أحد الذين لا أشك في صدق إيمانهم وورعهم وإخلاصهم كان على فقره وشدة حالته يرفض الأعمال التي تعرض عليه، لأنه لو قبلها فإنه لن يستطيع الحضور للمآتم الحسينية بالكيفية التي يريدها هو كما يقول، وهذا بالطبع غير صحيح لأن سيرة أهل البيت وأقوالهم تحث على العمل والسعي لطلب الرزق، بل كانوا هم أنفسهم يعملون ويطلبون الرزق، وهناك الكثير من الروايات التي تدل على ذلك، نذكر منها ما يتعلق بالإمام زين العابدين ، حيث نقل عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال: «كان علي بن الحسين إذا أصبح خرج غادياً في طلب الرزق فقيل له: يا ابن رسول الله أين تذهب؟ فقال: أتصدق لعيالي، قيل: له: أتتصدق؟ قال: من طلب الحلال فهو من الله جلّ وعز صدقة عليه» [1] .

وورد عنه كما جاء في الكافي عن أبي حمزة الثمالي أنه قال: قال علي بن الحسين : «لأن أدخل السوق ومعي دراهم ابتاع به لعيالي لحماً وقد قرموا أحب إليّ من أعتق نسمة» [2] . وهذا يفهم منه أنه كان لا يرى الزهد والإيمان متنافياً مع الحصول على المال أو التوسيع على النفس والعيال، وهذا ما يغفله ولا يفعله الكثيرين من الذين يدعون الإقتداء به .

روحانية لا تهمل خدمة الناس:

روي عن الإمام الصادق أنه قال: «كان علي بن الحسين لا يسافر إلا مع رفقة لا يعرفونه ويشترط عليهم أن يكون من خدام الرفقة فيما يحتاجون إليه، فسافر مرة مع قوم فرآه رجل فعرفه، فقال لهم: أتدرون من هذا؟ فقالوا: لا. قال: هذا علي بن الحسين . فوثبوا إليه فقبلوا يده ورجليه، وقالوا: يا ابن رسول الله أردت أن تصلينا نار جهنم لو بدرت إليك منا يد أو لسان أما كنا قد هلكنا إلى آخر الدهر، فما الذي يحملك على هذا. فقال: إني كنت سافرت مرة مع قوم يعرفونني فأعطوني برسول الله ما لا أستحق، فإني أخاف أن تعطوني مثل ذلك، فصار كتمان أمري أحب إلي» [3] .

إن هذه الرواية كثيراً ما يستشهد بها رجال الدين في خطبهم ومواعظهم، ولكنهم لا يطبقونها في سلوكهم وتعاملهم مع الناس، إذ نراهم يترفعون على خدمتهم ويجعلون الآخرين يبالغون في خدمتهم وفي إحترامهم، بل هم كما يلاحظ من تصرفات الكثير منهم حريصين على جعل الناس تبالغ في خدمتهم بالكيفية المعهودة، فبدلاً من التعبد بخدمة الناس خصوصاً في مواسم الحج والزيارة نراهم يجعلون الناس تخدمهم لكي يتفرغوا هم للعبادة! وربما يبررون تصرفاتهم هذه بقولهم: "إن الناس هم من يريدون أن يصنعوا معنا هكذا" أو "إننا نريد أن نعود الناس على إحترام أهل العلم والفضيلة" مع أنهم يدعون ويدعون الإقتداء بسيرة النبي وأهل بيته ، ولا أدري كيف يدعون الناس للإقتداء ولا يقتدون هم «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم»!!

روحانية لا تهمل الواقع «وتتحسس آلامه»:

كل من تعرض لحياة الإمام زين العابدين تقريباً نجده يتحدث عن رعايته للفقراء والأيتام، فهذه من السمات الواضحة في سيرته العطرة ، وقد روي في ذلك الكثير من الروايات منها: ما روي عن الإمام الباقر قوله في الإمام زين العابدين : «وكان يعجبه أن يحضر طعامه اليتامى والاضراء والزمنى والمساكين الذين لا حيلة لهم، وكان يناولهم بيده، ومن كان منهم له عيال حمل له إلى عياله من طعامه حتى يبدأ فيتصدق بمثله». وعن أبو حمزة الثمالي أنه قال: كان زين العابدين يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به ويقول: أن صدقة السر تطفئ غضب الرب.

وروي عنه أنه كان:» إذا جنّه الليل وهدأت العيون قام إلى منزله، فجمع ما يبقى فيه عن قوت أهله، وجعله في جراب ورمى به على عاتقه وخرج إلى دُور الفقراء وهو متلثّم، ويفرّق عليهم، وكثيراً ما كانوا قياماً على أبوابهم ينتظرونه، فإذا رأوه تباشروا به، وقالوا: جاء صاحب الجراب» [4] .

نلاحظ من الروايات السابقة أن الإمام زين العابدين حريص على السرية في مساعدته للفقراء والمساكين وتفيد بعض الروايات أن الفقراء لم يعرفوا من الذي يعطيهم إلا بعد أن توفي وانقطعت عنهم الصدقات، غير أن الكثير من دعاة الروحانية «من رجال الدين ومن غيرهم» لا يعطون بهذه الكيفية، بل إن الكثير منهم حتى وهو لا يعطي من أمواله الخاصة لا يعمل بالسرية، فمثلاً بعض رجال الدين يعطي المساعدات من أموال الحقوق الشرعية والتبرعات، ولكنه يتظاهر بأنه دفع لفلان كذا ولغيره كذا وللتزويج كذا وكأنه ينفق من جيبه الخاص، بشكل نرفضه فيما لو كانت هذه المبالغ المصروفة من جيبه الخاص، فكيف وهي من أموال التبرعات والحقوق الشرعية؟!

فبعضهم مثلاً، يرعى مشاريع تزويج المحتاجين من الفقراء والمساكين، ولا يكتفي بإعلان ذلك فقط، وإنما نجده يسمي الزواج «بمشروع تزويج الفقراء والمحتاجين» مثلاً، ويضع في إعلاناته صوراً لهؤلاء الفقراء والمحتاجين الذين تم تزويجهم أو تم إعانتهم على الزواج! ولا أدري أي كرامة سوف تبقى لهذا الفقير بعد ذلك؟! ولا أدري كذلك، لماذا كل هذه الإعلانات مع وضع الصور «سواءً كانت صور الفقراء المتزوجين أو صور الراعي لهذا المشروع»؟! ولا أدري أيضاً، لماذا لا يُزوج هؤلاء بسرية ضمن حملات الزواج الجماعي الأخرى؟!

بالطبع أنا هنا لا أعني من يعلن ويبين المصاريف التي صرفها من الحقوق الشرعية التي عنده في نهاية سنته المالية، فهذا أمر مطلوب ومرغوب لزيادة الثقة والشفافية بين رجل الدين هذا «الوكيل الشرعي» والمجتمع، وإنما أعني به من يتظاهر بذلك حال صرفه، وعادةً هذا الصنف من الناس لا يعلنون عن ما لديهم من أموال، لأنهم يخافون من الشفافية!

روحانية لا تعرف الانكسار «الصمود»:

إن البعض من الخطباء يصور الإمام زين العابدين بصورة مخالفة لصورته الحقيقية، إذ يصورونه بأنه ذلك الضعيف، المهزوم، المنزعج، المهزوز، الذليل، الذي كان دائم البكاء على أبيه الإمام الحسين ، وكأنه ذلك الضعيف الذي لا يملك أعصابه واتزانه عند المصائب والشدائد، وهذا غير صحيح بوجهة نظري، فالإمام كان كأبيه الحسين قوي الإرادة، الصلب، الثابت، الذي لا يتزعزع ولا يخضع أو يخنع، رغم هول المصيبة والفاجعة[5] ، وصحيح أنه كان يبكي نتيجة حزنه وتأثره، وهذا أمر طبيعي لأنه بشر يتألم ويتأثر، فبكاءه كان حالة طبيعية ولم يكن نتيجةً لضعف في الشخصية أو لعقدة نفسية، لأنه رغم بكاءه لم تضعف عزيمته ولم توهن، بل تابع مسيرة أبيه بكل قوة وثبات وصمود، فصحيح أنه كان يبكي لأن قلبه مليئ بالرحمة والعطف، إلا أنه أيضاً كان القوي الصامد الذي لا يعرف الإنكسار أو الخضوع لغير الله سبحانه وتعالى.

ومما يدلل على ذلك مواقفه وكلماته التي تدل على عظمة شخصية وقوة عزيمته، إذ مما يذكر أن ابن زياد عندما جيئ له بالعائلة الحسينية ومعهم الإمام علي بن الحسين ، أنه سأل عن الإمام بقوله: من هذا؟ فقيل له: عليٌّ بن الحسين، فقال: أليس قد قتل الله عليَّ بن الحسين، فقال : "قد كان لي أخٌ يُسمّى عليّ بن الحسين قتله الناس، فقال: بل الله قتله، فقال ﴿ الله يتوفّى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ﴾ الزمر42، فقال ابن زياد: ولك جرأة على جوابي؟ اذهبوا به فاضربوا عنقه، فسمعت عمّته زينب، فقالت: يا بن زياد، إنَّك لم تُبقِ منا أحداً، فإن عزمت على قتله فاقتلني معه، فقال لعمته اسكتي يا عمّة حتى أكلّمه، ثم أقبل فقال: أبا لقتل تهدّدني يا ابن زياد؟ أمّا علمت أنَّ القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة". بالله عليكم من يتكلم بهذه الكلمات وهو مفجوع بأبيه وأخوته وأهله، هل يكون ضعيف الشخصية وهزيل ومرتبك؟!

وكذلك نجد خطبته المدوية في الشام، تدل على شخصيتة القوية المتماسكة رغم الألم والمحن، وقصة هذه الخطبة كما روي هي: أن يزيد بن معاوية أمر بمنبر وخطيب ليسيء إلى الإمام الحسين وأمير المؤمنين علي «عليهما السلام»، فصعد الخطيب المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم أكثر الوقيعة في علي والحسين «عليهما السلام» وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد فذكرهما بكل جميل. قال: فصاح به علي بن الحسين : «ويلك أيها الخاطب اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوأ مقعدك من النار».

ثم قال علي بن الحسين : «يا يزيد ائذن لي حتى أصعد هذه الأعواد فأتكلم بكلمات لله فيهن رضا ولهؤلاء الجلساء فيهن أجر وثواب». قال: فأبى يزيد عليه ذلك. فقال: الناس يا أمير، ائذن له فليصعد المنبر فلعلنا نسمع منه شيئا. فقال: إنه إن صعد لم ينزل إلا بفضيحتي وبفضيحة آل أبي سفيان.

فقيل له: يا أمير وما قدر ما يحسن هذا. فقال: إنه من أهل بيت قد زقوا العلم زقا. قال: فلم يزالوا به حتى أذن له.

فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم خطب خطبة أبكى منها العيون وأوجل منها القلوب، ثم قال: «أيها الناس أعطينا ستا وفضلنا بسبع، أعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين، وفضلنا بأن منا النبي المختار محمدا ومنا الصديق ومنا الطيار ومنا أسد الله وأسد رسوله ومنا سبطا هذه الأمة، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي: أيها الناس أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى، أنا ابن خير من انتعل واحتفى، أنا ابن خير من طاف وسعى، أنا ابن خير من حج ولبى، أنا ابن من حمل على البراق في الهواء، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أنا ابن من بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى، أنا ابن من ﴿ دَنا فَتَدَلَّى، فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ﴾ «سورة النجم: 8 - 9.»، أنا ابن من صلى بملائكة السماء، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن محمد المصطفى، أنا ابن علي المرتضى، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا لا إله إلا الله، أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله بسيفين وطعن برمحين وهاجر الهجرتين وبايع البيعتين وقاتل ببدر وحنين ولم يكفر بالله طرفة عين، أنا ابن صالح المؤمنين ووارث النبيين وقامع الملحدين ويعسوب المسلمين ونور المجاهدين وزين العابدين وتاج البكاءين وأصبر الصابرين وأفضل القائمين من آل ياسين رسول رب العالمين، أنا ابن المؤيد بجبرئيل، المنصور بميكائيل، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين وقاتل المارقين والناكثين والقاسطين والمجاهد أعداءه الناصبين وأفخر من مشى من قريش أجمعين وأول من أجاب واستجاب لله ولرسوله من المؤمنين وأول السابقين وقاصم المعتدين ومبيد المشركين وسهم من مرامي الله على المنافقين ولسان حكمة العابدين وناصر دين الله وولي أمر الله وبستان حكمة الله وعيبة علمه، سمح سخي، بهي بهلول زكي، أبطحي رضي، مقدام همام، صابر صوام مهذب قوام، قاطع الأصلاب ومفرق الأحزاب، أربطهم عنانا وأثبتهم جنانا وأمضاهم عزيمة وأشدهم شكيمة، أسد باسل، يطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنة وقربت الأعنة طحن الرحى، ويذروهم فيها ذرو الريح الهشيم، ليث الحجاز وكبش العراق مكي مدني، خيفي عقبي، بدري أحدي، شجري مهاجري، من العرب سيدها، ومن الوغى ليثها، وارث المشعرين وأبو السبطين: الحسن والحسين، ذاك جدي علي بن أبي طالب.

ثم قال: أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سيدة النساء. فلم يزل يقول: أنا أنا حتى ضج الناس بالبكاء والنحيب وخشي يزيد بن معاوية أن تكون فتنة، فأمر المؤذن فقطع عليه الكلام فلما قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر. قال علي : لا شيء أكبر من الله. فلما قال: أشهد أن لا إله إلا الله. قال علي بن الحسين : شهد بها شعري وبشري ولحمي ودمي. فلما قال المؤذن: أشهد أن محمدا رسول الله. التفت من فوق المنبر إلى يزيد فقال: محمد هذا جدي أم جدك يا يزيد؟ فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت وكفرت، وإن زعمت أنه جدي فلم قتلت عترته؟ قال: وفرغ المؤذن من الأذان والإقامة وتقدم يزيد فصلى صلاة الظهر[6] !

هكذا كان الإمام القوي الجلد، الصامد، الثابت، الذي لا ينكسر ولا يخضع لغير الله سبحانه وتعالى، رغم كل ما عاناه من آلام ومآسي بفقد أبيه وأخوته وأقربائه، وأنا بكلامي هذا لا أنفي بأنه كان يبكي ويتألم كما أكدت على ذلك فيما سبق، ولكنني أقول: بأن بكاءه لم يكن كما يصوره أو يتصوره الكثير من الناس، بأنه بكاء المنزعج، المهزوز، الذليل. كلا ولا، وإنما كان بكاءه بكاءً ناتجاً عن التأثر الطبيعي الذي يصدر من البشر عادةً، وليس لضعف نفسي أو لعقدة نفسية، كما توحي بذلك الكثير من العبارات والتصورات.

ونحن نلاحظ من الرواية التي ذكرناها سابقاً، أن الإمام رد على الخطيب الذي كان يخطب بقوله: «ويلك أيها الخاطب اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوأ مقعدك من النار»، وأن يزيد ابن معاوية عندما أشاروا عليه بأن يسمح للإمام أن يخطب بأنه قال «قاصداً بكلامه الإمام زين العابدين : «إنه إن صعد لم ينزل إلا بفضيحتي وبفضيحة آل أبي سفيان»، مما يدل على أنه كان يخشى من الإمام ، ولو كان الإمام في حالة نفسية متزعزعة ومنهارة وذليلة لما خاف منه يزيد، ولما استطاع أن يخطب الخطبة التي أوردناها سابقاً.

ولهذا نقول: إن شخصية الإمام زين العابدين شخصية روحانية حركية، وروحانية صلبة وقوية، على العكس مما نشاهده من بعض دعاة الروحانية «من بعض رجال الدين ومن غيرهم»، إذ نرى بعضهم روحاني ولكنه بلا حركة وتفاعل أو روحاني ولكنه ضعيف الشخصية وهزيل النفسية، ولأجل ذلك نجد أن هذا الصنف من الروحانيين «الضعيف الخامل» ينطوي على نفسه ويفضل العزلة ويكتفي بالعبادات من الصلاة والصوم والأدعية والمناجاة لله سبحانه وتعالى، وكل أمر يتعرض له هو أو يتعرض له المجتمع يكتفي بالدعاء والتضرع إلى الله سبحانه لكي يكفيهم شره، فهو ونتيجة لجموده وسكونه وضعفه يتصرف وكأنه غير معني بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر! وعلى ذلك جرت العادة إلا فيما ندر، فمن يتجه إلى الحركة والتفاعل مع المجتمع يفقد الكثير من روحانيته، ومن يتجه للروحانيات والمعنويات يفقد الكثير من حركيته وتفاعله مع المجتمع، والقليل القليل هم كالإمام زين العابدين ، إذ يستطيعون الجمع بين الميزتين.

ولهذا لا نبالغ لو قلنا بأن الإمام زين العابدين هو قدوتنا فيما لو أردنا أن نجمع في شخصيتنا بين الروحانية والحركية، لأنه روحاني حركي أو حركي روحاني، فهو الروحاني في حركته، والحركي في روحانيته، فالروحانية والحركية والتفاعل متحدة في كيانه وذاته ولا يمكن الفصل أو التفريق بينهما.




[1] راجع كتاب بحار الأنوار ج46 ص67 ب5ح32.

[2] راجع كتاب الكافي ج4 ص12 باب كفاية العيال والتوسع عليهم ح10.

[3] راجع عيون أخبار الرضا، ج2، ص145، ووسائل الشيعة: ج11 ص430 ب46 ح15177.

[4] راجع كتاب بحار الأنوار ج46، ص89.

[5] من المفيد مراجعة مقالنا المُعنون بـ نحن والإمام الحسين .

[6] راجع بحار الأنوار، ج45 ص138 - 139 ب39.


















سلمان عبد الأعلى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://turaibel.mam9.com
 
الإمام زين العابدين وروحانية الحركيين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات قرية الطريبيل :: الاقـسـام الاسـلامـيـة :: منتدى أهل البيت عليهم السلام :: منتدى الامام علي السجاد عليه السلام-
انتقل الى: