ما قيل في رثائه
وقبل اختتام هذه الدراسة نفتح صفحة الاَدب ، ومن الاَدب ننتخب ملف الشعر الذي هو أحد أقوى مفردات الاَدب العربي شيوعاً ، وأبرز الوسائل الاِعلامية وأكثرها فاعلية وانتشاراً يومذاك ، وحتى في عصرنا الحاضر الذي بهت فيه بريق الشعر ، وقلّ الاهتمام بالشعر والشعراء إلى حدٍّ كبير جداً ، حيث أصبح الشعر في البرامج والمهرجانات والاحتفالات مادة لملء الفراغ ، فإنّه ـ مع ذلك ـ ما تزال له رنّة وتأثير على السامعين يفوق أي وسيلة إعلامية اُخرى .
وللاَثر البالغ للشعر على مسامع الناس ، ولشدة تعاطفهم مع ايقاعاته الموسيقية ، وميل النفوس إليه ، فقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إنّ من الشعر
____________
1) ديوان الإسلام 2 : 67 رقم 651 .
2) الأعلام 6 : 271 .
---------------------------
لحِكَماً ، وإنّ من البيان لسحراً » (1) .
كما أنّ أئمة أهل البيت عليهم السلام قد اقتفوا أثر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فاستنشدوا الشعر ، وبعضهم أنشد . وقربوا الشعراء المبدأيين المنافحين عن الحق والعدل وأهله ، وحثوهم على قول الشعر وأجزلوا لهم العطاء ووعدوهم الجنة . قال الاِمام الصادق عليه السلام : « من قال فينا بيت شعر بنى الله له بيتاً في الجنة » (2) .
وعليه فقد برز شعراء أفذاذ مثاليون نصروا الحقّ ، ولم تأخذهم في الله لومة لائم ، ونافحوا عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ومدحوهم ورثوهم بأحسن ما يكون المدح والرثاء ، أمثال الشهيد دعبل الخزاعي ، والكميت الاَسدي ، ومهيار ، وكوكبة لا تحصى عداً منذ الصدر الاَول وإلى يومنا هذا . فملاَوا بمديحهم ورثائهم عشرات الدواوين ، وطبيعي أن يكون لاِمامنا أبي جعفر الثاني عليه السلام نصيب من ذلك المديح والرثاء ، باعتباره حلقة من حلقات سلسلة الذهب . وقد وقفنا على الكثير من شعر المدح والرثاء بشأن الاِمامين الهمامين الجواد وجده موسى بن جعفر عليهما السلام ، وما يختص بالجواد عليه السلام وحده . انتخبنا منه ما تتسع له دراستنا هذه ، فإلى المراثي والمديح التي راعينا في ترتيب أبياتها التسلسل التاريخي حسب سني وفاة ناظميها:
1 ـ فأقدم نصٍّ وقفنا عليه في مديح الاِمام الجواد عليه السلام وآبائه الطاهرين عليهم السلام هو للشاعر أبي تمام حبيب بن أوس الطائي المتوفّى سنة « 230 هـ » ، المعاصر للاِمام الجواد عليه السلام . والقصيدة تتألف من « 59 » بيتاً ، وهي
____________
1) بحار الأنوار 79 : 290 .
2) بحار الأنوار 79 : 291 | 9 ، نقلاً عن عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 15 | 1 .
---------------------------
ليست في ديوانه المطبوع ، عثر عليها الشيخ حسين علي آلسليمان البحراني فأثبتها كاملة في رياضه ، ومطلعها:
حصحص الحق فاسهري أو فنامي * عـن ملامـي ستحتـوين مـلامي
ثم يصل بعد عدة أبيات إلى غرضه فيقول:
ربّـي الله والاَميــن نبيــيِّ
*
صفـوة الله والـوصـي إمامـي
ثـم سبطـا محمـد تـاليــاه
*
وعلـيّ وبـاقـر العلـم حامـي
والتقـي الـزكيّ جعفـر الطيّب
*
مــأوى المعتــوِّ والمعتــامِ
ثم موسى ثم الرضا علم الفصـ
*
ـل الـذي طـال سائـر الاَعلامِ
والمصفّـى محمـد بـن علـيّ
*
والمعرّى مـن كـلِّ سـوء وذامِ
أبـرزت منـه رأفة الله بالناس
*
لتـرك الـظلام بــدر التمــامِ
فرع صدق نمى إلى الرتبة العليا
*
وفـرع النبــيّ لا شـك نـامي
فهو ماضٍ على البديهةِ بالفيصل
*
مــن رأي هبــرِزيٍّ همــامِ
عالـم بـالاُمور غـارت فلــم
*
تنجـم وهـذا يكـون بـالاِنجلآمِ
بالاُمـور التـي تبيت تقـاسيها
*
علــى حيــن سكـرة النـوّامِ
هــؤلاء الاُولـى أقـام بهـم
*
حجتــه ذو الجـلال والاِكـرامِ
عصبـة لـست منكـراً أننـي
*
يفنى قعـودي بحبّهـم وقيامي (1)
____________
1) رياض المدح والرثاء | الشيخ حسين البحراني : 723 طبعة المكتبة الحيدرية ـ قم 1410 ، تحقيق حسن عبد الأمير .
--------------------------
2 ـ وفي المقتضب روى ابن عياش عن عبدالله بن محمد المسعودي ، قال : حدثني المغيرة بن محمد المهلبي ، قال أنشدني عبدالله بن أيوب الخريبي (1)ع الشاعر ، وكان انقطاعه إلى أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام ، ولما توفي عليه السلام وقف يؤبنه ويمتدح أبا جعفر محمداً ابنه بقصيدة طويلة يقول فيها:
يابن الذبيح ويابـن أعراق الثرى
*
طابت أرومتـه وطـاب عروقا
يابن الوصيّ وصيّ أفضل مرسلٍ
*
أعني النبيّ الصادق المصـدوقا
ما لُفّ في خـرق القوابل مثلـه
*
أسد يلف مـع الخـريق خريقا
يـا أيُّها الحبل المتين متـى أعذ
*
يـومـاً بعقوته أجـده وثيقـا
أنـا عائذ بـك فـي القيامة لائذ
*
أبغـي لديك مـن النجاة طريقا
لا يسبقنـي فـي شفاعتكـم غداً
*
أحـد فلست بحبكـم مسبـوقا
يـابن الثمانيـة الاَئمـة غرّبـوا
*
وأبا الثلاثـة شرّقـوا تشـريقا
إن المشـارق والمغـارب أنتـم
*
جاء الكتاب بذلكم تصديقـا (2)
____________
1) عبدالله بن أيوب ، أبو محمد الخريبي البصري : نسبة إلى الخريبة وهو موضع مشهور بالبصرة . أديب ، فاضل . لزم الإمام الرضا عليه السلام ، ولعلّه كان شاهره . ذكره ابن شهر آشوب في المعالم : 152 ضمن الشعراء المتّقين . وترجم له سيد الأعيان في موسوعة الرجالية أعيان الشيعة 8 : 46 .
2) أعيان الشيعة 2 : 36 .
-------------------
3 ـ أما شاعر الولاء لاَهل البيت عليهم السلام أبو محمد العوني (1) ، فقد نظم في مولد الاِمام الجواد عليه السلام أبياتاً يقول فيها:
هـذا الـذي إذ ولدتـه أُمّـه
*
عاجلها منـه حسيبـاً فابتدر
حتى تفرّغن النسا مـن حولها
*
وقلـن هذا هـو أمـر مبتكر
والـولـد الطيّب قـد جلّلـه
*
عنهنّ مولاه بثوبٍ فاستتر (2)
4 ـ ولاَبي الفتح علي بن عيسى الاِربلي قصيدة في مدح الاِمام الجواد عليه السلام وبيان فضله أثبتها في كتابه كشف الغمة يقول فيها:
حمـاد حمـاد للمثنى حمادِ
*
علـى آلاء مـولانا الجوادِ
إمام هـدىً له شرفٌ ومجدٌ
*
علا بهما على السبع الشدادِ
إمام هدىً لـه شرفٌ ومجدٌ
*
أقرّ به المـوالي والمعـادي
تصوب يداه بالجدوى فتُغني
*
عن الاَنواء في السنة الجمادِ
يبخـل جـود كفّيه إذا مـا
*
جرى في الجود منهلّ الغوادِ
فـواضله وأنعمـه غـزار
*
عـهدن أبرّ من سحّ العِهـادِ
فمن يرجو اللحاق به إذا ما
*
أتـى بطريق فخـر أو تلادِ
____________
1) طلحة بن عبيدالله بن محمد بن أبي عون ، أبو محمد العوني الغسّاني : شاعر شهير ، أكثر نظمه في أهل البيت عليهم السلام . توفي حوالي سنة ( 350 هـ ) بمصر . ترجم له السيد الأمين في أعيانه 7 : 401 . والعلاّمة الأميني في الغدير 4 : 175 الطبعة المحققة .
2) مناقب آل أبي طالب 4 : 388 .
-----------------------------
مـن القـوم الـذين أقرّ طـوعاً
*
بفضلهـم الاَصـادق والاَعـادي
بهـم عرف الورى سبل المعالي
*
وهـم دلّوا الاَنـام سُبل الـرشادِ
وهـم مـن غيـر شـك وخلف
*
إذا أنـصفت سـادات العبــادِ
أيــا مـولاي دعـوة ذي ولاء
*
إليكـم ينتمـي وبكـم ينــادي
وقــد قـدمتكـم زاداً لسيـري
*
إلـى الاُخرى ونـعم الزاد زادي
فـأنتم عـدتي إن نـاب دهـر
*
وأنتم إن عرى خطب عتادي (1)
5 ـ وللشيخ الحر العاملي محمد بن الحسن بن علي المنتهي نسبه إلى الشهيد الحر الرياحي رضي الله عنه والمتوفي سنة « 1104 هـ » ، أُرجوزة طويلة في تاريخ الاِمام الجواد عليه السلام وبيان معجزاته وفضائله ، منها قوله:
نصوصه كثيـرة تـواترت
*
معجـزاته كـذاك اشتهرت
ومـا جرى له مع المأمون
*
مـن موطئات العلم واليقين
إن كان طفلاً وبدا ما قد بدا
*
من فضله وعلمه لذي الهدى
وامتحنوه وأجـاب العلمـا
*
جواب عالم درس وعُلِّما (2)
6 ـ وثمة ميمية للسيد صالح النجفي القزويني المتوفّى سنة « 1306 هـ » في تاريخ الاِمام عليه السلام أبان فيها فضائله ومعجزاته ، ومطلعها:
سل الدار عـن ساكنها أين يمّموا
*
فهل أنجدوا يـوم استقلوا واتهموا
____________
1) كشف الغمة 3 : 164 .
2) نزهة الجليس ومنية الأنيس 2 : 111 .
------------------------------
ومنها قوله في رثائه عليه السلام :
فيا لقصير العمـر طـال لموته
*
على الدين والدنيـا البكا والتألمُ
بفقدك قـد أثكلت شـرعة أحمد
*
فشـرعته الغـرّاء بعـدك أيِّمُ
عفا بعدك الاِسلام حزناً وأُطفئت
*
مصابيح دين الله فـالكون مظلمُ
فيـالك مفقوداً ذوت بهجة الهدى
*
لـه وهوت من هالة المجد أنجمُ
يمينـاً فمــا لله إلاّك حجــة
*
يعاقب فيه مـن يشاءُ ويرحـمُ
ولـيس لآخذ الثأر إلاّ مـحجَّبٌ
*
بـه كلّ ركـنٍ للظلالِ يُهدَّمُ (1)
7 ـ ونظم الشيخ جعفر الشرقي النجفي المتوفّى سنة « 1309 هـ » رائية في مدح الاِمامين الكاظمين بابي الحوائج بمناسبة إتمام عمارة الصحن ومرقدهما الشريف عام « 1301 هـ » يقول فيها:
جـواد يميـر السحب جـود يمينه
*
على أنّ فيض البحر راحته اليسرى
إمام يمدّ الشمس نـوراً فـإن تغب
*
كسـا بسنـا أنواره الاَنجم الـزهرا
فحق إذا أزهرت فـي صحن داره
*
ودرن على مـا حـول مرقده دورا
ومـذ زيّـن الاَفلاك أحسن زينـة
*
خضعن له لا بل سجدن لـه شكـرا
ومن يك موصولاً بأحمد فـي العُلى
*
تهيب غير الذكر فـي نعتـه الذكرا
مـدينة قـدس قـدّس الله سرّهـا
*
وشرّفها حتـى على عـرشه قـدرا
____________
1) الدمعة الساكبة 8 : 87 .
----------------------------
لقـد حُشـرت فيها الملائك والملا
*
جميعاً ولمـا تدرك البعث والحشرا
أحاطت بـموسى والجواد فقل لمن
*
بهـم غيـر علم الله لم يُحط خُبرا
أبوهم علـيّ الطهر من بعد أحمد
*
نبيّ الهدى والاُم فاطمة الزهرا (1)
8 ـ أما الشاعر المفلق عبدالباقي بن سليمان بن أحمد العمري الفاروقي الموصلي المتوفّى سنة « 1279 هـ | 1862 م » فله في مدح الاِمامين الجوادين هذه الاَبيات:
حظـرة الكاظمين منهـا المرايـا
*
قد حكت قلب صبّ أهل الطفوفِ
قـد أظلّت شمساً بـغير كسـوفٍ
*
وأقلّـت بـدراً بغيـر خسـوفِ
وطوت ( كاظماً ) ولفّت ( جواداً )
*
فـازدهت بـالمطوي والملفوفِ
شـرُفت فيهما ومـا كل ظـرفٍ
*
حـاز تشريفه مـن المظـروفِ
وهـي لمّا علـى السمـاء أنافت
*
بهما قلت يا سما المجـد نـوفي
لا تلمني علـى وقوفـي ببـابٍ
*
تتمنـى الاَمـلاك فيـه وقـوفي
هـو بـاب مجرّب ذو خـواصٍ
*
كـان منهـا إغاثـة الملهـوفِ
ملجـأ العـاجزين كهـف اليتامى
*
مروّة المـرملين مأوى الضيوفِ
فليلمني مـن شـاء إنـي مـوالٍ
*
رافل مـن ولائهم بشغـوفِ (2)
____________
1) شعراء الغري 2 : 42 .
2) موسوعة العتبات المقدسة 9 : 83 .
-------------------------------
9 ـ وللعلاّمة الاَديب الشيخ محمدرضا المظفر المتوفّى سنة « 1383 هـ » منظومة تائية في رثاء الاِمام الجواد عليه السلام وتاريخ حياته ، منها قوله:
بـالاِمـام الجـواد منكـم تـمسّكت
*
وحسبــي مـن قدسـه النفحـاتُ
حــدثٌ قُلّـد الاِمـامـة فــانقـا
*
دت لعليـاء حكمـه الحــادثـاتُ
ابن سبـع ويـا بروحـي قـد قـا
*
م إمـامـاً تُجلـى بـه الكربـاتُ
لا تخـل ويك وهـو في المهد طفل
*
هـذّبتـه بـدرِّهـا المـرضعـاتُ
هـو نـور مـن قبـل أن تتجلّـى
*
بسنـا الحـق هـذه الكــائنـاتُ
طاب فـي شهـر طـاعـة الله مو
*
لـوداً فنيطـت بحبـه الطاعـاتُ
واصطفـــاه الاِلـه للخلـق قـوا
*
مـاً فقـامت لفضلـه المعجـزاتُ
يـا أبـا جعفر ومـا أنت إلاّ البحـ
*
ـر جـوداً لـه الهـدى مـرسـاةُ
كيف تقضـي سماً غـريباً وبـاسم
*
الله تجـري ولاسمــك الحـادثاتُ
أنـت أدرى بمــا أتـت فيـه أم
*
الفضل لكن شاءت لك النازلاتُ (1)
10 ـ أما الشيخ جعفر النقدي المولود سنة « 1303 هـ » والمتوفى سنة « 1358 هـ » فله قصيدة دالية في مديح الاِمام الجواد عليه السلام ورثائه ، انتخبنا منها الاَبيات التالية ومطلعها:
نفت عن مقلتي طيبَ الرقادِ
*
أحاديثُ الصبابة فـي سعادِ
____________
1) شعراء الغري 8 : 474 .
---------------------------
إلى أن يقول:
لكم غزلي ومـدحي فـي إمامي
*
أبـي الهـادي محمـدٍ الجـوادِ
هـو البرّ التقـي حمى البـرايا
*
وغيث المجتدي غوث المنـادي
إمــام أوجــب البـاري ولاهُ
*
وطـاعتـه علـى كـلِّ العبادِ
إذا مـا سُدَّت الاَبـواب فـاقصد
*
( جواد ) بني الهُدى باب المرادِ
تـرى باباً بـه الحاجات تُقضى
*
ومنتجعـاً خـصيب الـمسترادِ
وكم ظهرت لـه مـن معجزاتٍ
*
رآهـنّ الحـواضرُ والبـوادي
ودسَّ لقتلـه سُمّـاً زعــافــاً
*
زنيمٌ ليس يـؤمن بـالمعادِ (1)
من كتاب الإمام محمد الجواد عليه السلام سيرة وتاريخ
السيد عدنان الحسيني