دعوة الإمام الحسن ( عليه السلام ) في الشام
ظل الإمام في الكوفة شُهوراً ، ثم ارتحل عنها وارتحل معه كلُّ الخير .
ففي نفس الأيام التي خرج الإمام ( عليه السلام ) عنها ، حلَّ بها طاعون فمات الكثير من أهلها ، حتى أن واليها المغيرة بن شعبة أُصيب به فمات .
فلما بلغ ( عليه السلام ) المدينة ، خَفَّ أهلها يستقبلونه أحرَّ الاستقبال ، وظل هناك يقود حرباً باردة ضد معاوية ومؤامراته على المسلمين .
في الشام :
بعد مرور عام على إقامة الإمام الحسن ( عليه السلام ) في المدينة ، وفد إلى ( دمشق ) عاصمة الخلافة الإسلامية .
فراح يبلِّغ ( عليه السلام ) عن دعوته التي خُلق لها ، وخرج بها ، وعاش معها ، تلك دعوة الحق ، ومحق الباطل .
ولقد أظهر الإمام ( عليه السلام ) في تلك الرحلة الرسالية لأهل الشام ، أنَّ معاوية ليس بالذي يصلح للقيادة ، على ما موَّه عليهم بدعاياته المضللة .
فهو يرجع بهم إلى الجاهلية حيث كان أبوه يستعبد الناس ، ويستنزف جهودَهم وطاقاتهم ، ولا يهمه بعد ذلك أَسَعِدُوا أم شقوا .
وليس من العجب أن نرى كلّ من التفَّ حول معاوية ودافع عن أفكاره ونصب نفسه لدعوته ، كان من قبل قد التفَّ هو أو أسرته حول أبي سفيان ، ودافع عن أفكاره .
فلا زال معاوية يقود الحزب الأموي الذي قاده من قبل والده أبو سفيان ، بذات المفاهيم والعادات والسلوكيات .
كما أنه لا يثير العجب إذا رأينا في صف الإمام الحسن ( عليه السلام ) ثُلَّة صالحة مِمَّن كان قبل أيام يناضل أبا سفيان وحزبه ، دفاعاً عن قِيَم الرسالة .
والواقع أن حركة معاوية كانت رَدُّ فعلٍ جاهلي ، ضِدَّ انتشار رسالة الإسلام ، وكانت على صِلَة تامة بالروم .
وكان يعتمد معاوية على أشخاص مثل عمرو بن العاص ، وزياد بن أبيه ، وعتبة بن أبي سفيان ، والمغيرة بن شعبة ، ونظائرهم ممن لا تزال صورهم أو صور أسرهم تتراءى لنا ، في ميادين بدر والخندق .
كما كان يعتمد على النصارى الذين أصبحت لهم قوة لا يُستهان بها داخل الدولة الأموية .
وإن معاوية كان يجتمع كل مساء بمن يقرأ عليه أخبار الحروب السابقة ، وخصوصاً تجارب الروم في الحروب السياسية ، فيستفيد منها .
من هنا نعرف أنَّ الحرب بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، أو نجله الإمام الحسن ( عليه السلام ) وبين معاوية ، لم تكن صراعاً مجرداً على السلطة ، ولا صراعاً بين حزبين داخل الإطار الإسلامي ، بل كان صراعاً بين الكفر المُبَطَّن ، والإسلام الحق .
ولذلك اتَّبع الإمام الحسن ( عليه السلام ) نهجاً خاصاً في مواجهة الصراع ، وهو نهج الدعوة الصريحة ، حيث سافر إلى الشام ، عاصمة الخلافة ، كي يُقر حقّاً نذر له نفسه ، ومن الطبيعي أن أهل الشام سوف يلتفتون إليه بعد أن كان رئيس الحركة المناوئة لدولتهم ، وقائد الحرب المعارض لسياستهم .
ولابد أن يَفِد منهم خلق كثير ، فهنالك يستطيع أن يبلِّغ دعوته وينشر من علومه ما يدكُّ صرح معاوية السياسي ، وينسف أحلامه الجاهلية .
وإن صفحات التاريخ تطالعنا بكثير من خطبه ( عليه السلام ) التي ألقاها على أهل الشام ، فأثَّر في نفوسهم أبلغ تأثير .
ولم يزل كذلك حتى اشتكاه أنصار معاوية قائلين له : إن الحسن قد أحيا أباه وَذِكْره ، وقال فصُدِّق ، وأَمَرَ فأُطيع ، وخُفِقَتْ له النِّعَال ، وإن ذلك لرافعه إلى ما هو أعظم منه ، ولا يزال يبلغنا عنه ما يسوؤنا .
معارضة الإمام ( عليه السلام ) :
وهكذا قاد الإمام الحسن ( عليه السلام ) معارضة سياسية قوية ، ولكن من دون الحرب .
وكان ( عليه السلام ) يوجّه شيعته هنا وهناك ، وينظم صفوفهم ، وينمي كفاءاتهم ، ويدافع عنهم أمام بطش معاوية وكيده .
وفي ذات الوقت كان ( عليه السلام ) يقوم بنشر الثقافة الإسلامية في كافة البلاد .
فإما عن طريق الرسائل والموفودين من تلامذته البارعين ، الذين كان يتكفَّل أمورهم المادية والمعنوية ثم يبعثهم إلى الآفاق ، أو عبر الخطب التي كان يلقيها في مواسم الحج وغيرها ، فيملك ناحية الأمّة ، ويستأثر بقيادتها الثقافية .
ومن ذلك أيضاً ، نستطيع أن ندرك سِرَّ اختياره ( عليه السلام ) المدينة المنورة كوطَنٍ دائمٍ له ، حيث كان فيها من الأنصار وغيرهم مِمَّن يَقدِر على إرشادهم وتوجيههم .
وبذلك يستطع أن يشقَّ طريقه إلى إرشاد الأمّة وتوجيهها ، حيث كان الأنصار وأولادهم هم القدوة الفكرية للأمّة ، فمَن ملك قيادة الأنصار ملك قيادة الأمّة فعلاً .