الإمام السجاد ورسالة حقوق الإنسان
ترك الإمام السجاد شيئاً مهماً جداً لكل الأجيال وهي «رسالة الحقوق»، هذه الرسالة العظيمة التي يتحدث فيها الإمام عن الحقوق المهمة للناس، وعن ثقافة الحقوق قبل أن يتحدث العالم عن وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948م بمئات السنين مما يوضح لنا الرؤية العميقة للإمام السجاد عن حقوق الإنسان.
وتعد رسالة الحقوق للإمام السجاد من أهم الآثار التي وصلت إلينا بعد الصحيفة السجادية، حيث يبين فيها الإمام وظائف الإنسان وواجباته تجاه الله سبحانه وتعالى، وتجاه نفسه والآخرين، وقد ذكرها ابن شعبة الحراني في كتابه «تحف العقول» وهي عبارة عن خمسين حقاً وعلى رواية الشيخ الصدوق في كتابه «الخصال» واحد وخمسين حقاً.
إن الإمام السجاد يعد مؤسساً لثقافة حقوق الإنسان، فهو أول من وضع رسالة لحقوق الإنسان قبل أربعة عشر قرناً من الزمان، وذلك لإدراكه أهمية احترام حقوق الإنسان، وأنها تشكل المنطلق لبناء نظام اجتماعي متماسك، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وضمان سلامة العلاقات الفردية والاجتماعية في إطار من الاحترام المتبادل، والتسامح تجاه الآخر، والقبول بالرأي المخالف.
أما غياب ثقافة حقوق الإنسان فيؤدي إلى شيوع التعصب والتشدد والتطرف، في حين أن معرفة حقوق الذات، فضلاً عن حقوق الآخر يؤدي إلى سيادة القانون، ونمو ثقافة الاحترام والتكريم للإنسان، تطبيقاً لقوله تعالى، ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾، فالآية الشريفة تشير إلى تكريم الإنسان بغض النظر عن دينه أو مذهبه أو قوميته أو لونه أو عرقه ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾.
إن الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بيّن للناس حقوق الإنسان بعد واقعة الطف التي انتهكت فيها أبسط الحقوق الإنسانية فضلاً عن تعاليم الإسلام وأحكامه.
وتأتي أهمية رسالة الحقوق للإمام السجاد باعتبارها أسبق وثيقة تحدثت عن حقوق الإنسان، في حين أن أقدم الوثائق الدولية التي صدرت عن حقوق الإنسان لا تزيد عن قرنين من الزمن. إذ أن أهم ما صدر من وثائق عن حقوق الإنسان، وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 10/12/1948م، وكان هذا الإعلان قد اقتبس قواعده من إعلان الثورة الفرنسية - التي حدثت عام 1789م - لحقوق الإنسان، واعترافها بالحقوق الطبيعية للأفراد.
وقد امتازت وثيقة «رسالة الحقوق» للإمام السجاد بأنها تطرقت إلى حقوق أكثر مما هو مدون في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ إذ اشتملت رسالة الحقوق على خمسين حقاً، وفي رواية أخرى على واحد وخمسين حقاً، في حين أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لم يتجاوز 29 مادة، كما أشارت رسالة الإمام الحقوقية إلى حقوق تجاهلتها الوثائق الدولية لحقوق الإنسان، كحق الله سبحانه وتعالى بالنسبة لعبده، وهي أكبر الحقوق؛ بل أصلها.
ثم أشار الإمام السجاد إلى حقوق الإنسان المفروضة من الله تعالى تجاه نفس الإنسان، وأنواع علاقة الإنسان بنفسه من خلال رؤية الإسلام لذلك.
ويمكن تقسيم حقوق الإنسان الرئيسة التي أشار إليها الإمام السجاد في رسالته الحقوقية ضمن المحاور التالية:
1 - حق الخالق وحق المخلوق «حق الله، وحق النفس».
2 - حقوق الأعضاء:
وتشمل الحقوق التالية: حق اللسان - حق السمع - حق البصر - حق اليد - حق الرجل - حق البطن - حق الفرج.
3 - حقوق الأفعال:
وتشمل هذه الحقوق ما يلي: حق الصلاة - حق الحج - حق الصوم - حق الصدقة - حق الهدي.
4 - حقوق الأئمة:
وتشمل هذه الحقوق ما يلي: حق السلطان - حق سائسك بالعلم - حق سائسك بالملك.
5 - حقوق الرعية:
وتشمل حقوق الرعية الأصناف التالية: حق رعيتك بالسلطان - حق رعيتك بالعلم - حق الزوجة - حق المملوك.
6 - حقوق الرحم:
وتشمل حقوق الرحم الأصناف التالية:
حق الأم - حق الأب - حق الولد - حق الأخ - حق مولاك المنعم عليك - حق مولاك الذي أنعمت عليه.
7 - حقوق عامة الناس والأشياء:
وتشمل هذه الحقوق24 حقاً منها:
حق المؤذن - حق إمام الجماعة - حق الجليس - حق الصاحب - حق الخليط - حق الشريك - حق الكبير - حق الصغير - حق أهل الإسلام - حق أهل الذمة.... وغيرها من الحقوق العامة.
ونلاحظ أن الإمام السجاد قد ختم رسالته الحقوقية بحقوق أهل الإسلام، وإن اختلفوا في مذاهبهم وآرائهم ومرجعياتهم الفكرية،، فلكل مسلم أن يمارس عباداته وشعائره ومعتقداته بحسب مذهبه. ثم بحقوق من يشترك مع الإنسان في الأرض الواحدة والنظام السياسي الواحد، وإن اختلف معهم في الدين، لكنهم يشتركون في الإنسانية، وفي النظام السياسي الواحد، فلهم حقوق المواطنة، ولهم حرية ممارسة شعائرهم الدينية، دون أن يدعوا المسلمين إليها. ولهم الحرية في إجراء مراسيم عباداتهم، كما أن لهم أن يعملوا حسب شريعتهم في عقودهم وطلاقهم... وغيرها من الأحوال الشخصية؛ يقول الإمام السجاد: «وحق أهل الذمة: أن تقبل منهم ما قبل الله عز وجل، ولا تظلمهم ما وفوا لله عز وجل بعهده».
وتشكل هذه الرسالة الحقوقية وثيقة تاريخية أكثر من هامة وهي بحاجة للمزيد من الدراسة والتحليل، وفيها دلالة عميقة على تقدم فكر أهل البيت ومنهجهم الرباني.
إن علينا أن نستفيد من رسالة الحقوق للإمام السجاد بأن نعطي اهتماماً أكبر بمسألة حقوق الإنسان، ونعمل على نشر ثقافة الحقوق بين الناس، حتى يعلم كل شخص حقوقه وواجباته الفردية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية بما يحقق العدالة الاجتماعية للجميع.
الشيخ عبدالله اليوسف