اجتناب الذنب
{واتقوا الله ويعلمكم الله}.
البقرة/282
المحدث القمي رحمه الله
جاء في سيرة الشيخ عباس القمي عليه الرحمة، لم يكن أحدٌ يجرؤ أن يغتاب أحداً في مجلسه... مهما كان الشخص كائناً من كان... وهو أيضاً كان يحترز من الغيبة والكذب بما يفوق التصور... أيام مرضه الذي كانت وفاته فيه جاء أحد علماء طهران لعيادته، كان الشيخ عباس ذلك اليوم متألماً جداً، ويفكر في أمر شغل باله. سأله ذلك العالم عن سبب تألمه، فأجابه:
في سفري إلى الحج أردت طبق سيرة المحدثين في الإجازة – أن أتميز من أحد محدثي العامة. وعندما فاتحته بالأمر قال لي شيئاً، ولمصلحة ما أنكرت ذلك كذباً... والآن أفكر كيف سأبرر هذا الكذب غداً يوم القيامة في محضر العدل الإلهي. البحار53/175
______
للالتئام ورتق الفتق
لا أدري هل توافقني الرأي أن غالب الناس في عصرنا (مُلَغَّمين)؟!.. يعيشون منهكي القوة، متوتري الأعصاب، قلقين للمستقبل، ومختلفين حول أمور تافهة وحلول عليها ألف نقاش، وبكلمة قرآنية واحدة : (ضنك في العيش)، لذلك أينما تتفوه بكلمة أو تضع قدما انفجر في وجهك (لغم) من المهاترات والقيل والقال، حتى تتوب من أن تتفوه بالنصيحة لأحد، حقاً إن زماننا بئس الأزمنة، ولكن ذلك ما كسبت أيدي الناس، ولهذا السبب فإن المسؤول هو الناس، تسألني: هل ممكن أن تحدد الناس من هم؟..
أقول: كل الضمائر الحاضرة والغائبة، والمتصلة والمنفصلة، والظاهرة والمستترة، التي تشير بها إلى كائن بشري هو المسؤول عن إصلاح نفسه وأهله، ثم الأبعدون، والإصلاح يبدأ من الوعي بذكر الله والقيم الأخلاقية في الحياة بكل أبعادها، مع العمل بهذا الوعي، سيما الحديث"إن عيرك أخوك بما يعلم فيك، فلا تعيره بما تعلم فيه يكون ذلك أجراً وعليه إثم" و "من أُغتيب عنده أخوه المسلم فاستطاع نصره، فلم ينصره خذله الله في الدنيا والآخرة".
هذه الكلمات قدمتها إلى نفسي أولاً ثم إليك من أجل التمهيد لهذه القصة القصيرة في سطورها والكبيرة في معانيها وآثارها: آية الله العظمى الميرزا جواد ملكي التبريزي (أعلى الله مقامه) كان من العرفاء الأتقياء الذين يُعدون في نزاهتهم بالأصابع، ولم يبلغ هذه الدرجة العالية من القرب من الله تعالى إلا بمراقبة نفسه ومحاسبتها، والتضرع إلى الله آناء الليل وأطراف النهار.. وبذلك أصبح الناس يحبونه من قلوبهم ولا مجاملة .
يقال: إن رجلاً اغتاب في محضره شخصاً، فانزعج الميرزا بشدة وقاطعه فوراً: "إنك باغتيابك هذا قد سبّبت لي تعباً لمدة أربعين يوماً". بالفارسية (رسالة لقاء الله)/ص104
يقصد قدس سره أن الاستماع إلى الغيبة حرام أيضاً، بحيث أن الالتئام ورتق الفتق لعودة المؤمن إلى حالته الطبيعية المطلوبة عند الله، يحتاج أربعين يوماً يستغفر الله فيه لنفسه وللمستغاب.
فهل نحن نحذر الفتق، وإذا وقعنا فيه رتقناه بسرعة، قبل اتساعه بأيدي الجهلاء؟!.. ذلك هو خطوة هامة لنزع فتيل النزاعات وإبطال ألغام النفوس!..
_______
سؤال لرسول الله (ص)
المرحوم الملا محمد صالح البرغاني القزويني، وهو أخو الشهيد الثالث، ومن العلماء الكبار.. رأى رسول الله (ص) في المنام وسأله عدة أسئلة أحدها: ما هو السبب في أن العلماء في السابق كانوا أصحاب كرامات ومكاشفات، وفي هذا الزمان سد باب المكاشفات؟..
فأجابه (ص): السبب أن العلماء في الماضي قسموا الأحكام إلى قسمين: واجب وحرام.. وكانوا يتركون الحرام، ويأتون بالواجب، وكل ما كان مكروهاً أو مباحاً كانوا يعتبرونه من المحرمات، أي كانوا عملياً يتركون المباحات والمكروهات، ويأتون بالمستحبات ويعتبرونها من الواجبات.. ولكنكم طبقة المتأخرين - قسمتم الأحكام عملياً إلى خمسة أقسام، وتتركون المستحبات وتفعلون المكروهات والمباحات، ولهذا سدت دونكم أبواب الكرامات والمكاشفات. قصص العلماء/52
_______
مع المرحوم الشيخ محمد البهاري الهمداني
يقول هذا العارف الجليل الذي هو من أبرز تلامذة الآخوند ملا حسينقلي الهمداني، وبتعبير الشيخ آقا بزرگ الطهراني: هو أجلّهم وأعظمهم.... نقباء البشر: 2/677
الثاني: (من شروط السالك) أن يجتنب المكروهات مهما أمكن، وينشغل بالمستحبات، ولا يحقرن شيئاً من المكروهات فيقول: "كل مكروه جائز" فكثيراً ما يكون ترك المكروه أو فعل مستحب صغير أشد أثراً في القرب من المولى، وأكثر مقبولية عنده من كل ما عداه.. ويتضح هذا من التأمل في العرفيات.
الثالث: ترك المباحات في غير مقدار اللزوم والضرورة، صحيح أن الشارع المقدس أباح أموراً كثيرة، ولكن حيث أنه في الباطن لا يرغب لعبده أن ينشغل بغيره، وينصرف إلى أمور الدنيا، فمن المستحسن للعبد أن يستجيب لرغبة المولى، فيترك هذه الزخرات، حتى وإن لم يكن ارتكابها حراماً، إقتداء بالنبيين وتأسياً بالأئمة الطاهرين. تذكرة المتقين: 101 -102
_________
وصية المرحوم البيد آبادي رحمه الله
في رسالة توجيهية له يقول الحكيم والعارف الكبير المرحوم البيد آبادي: عليه إذن أن يوحد همومه، يجعلها هماً واحداً، وأن يبذل كامل الجد والجهد، ليضع قدمه في جادة الشريعة، ويحصّل ملكة التقوى، أي لا يحوم بقدر الممكن حول الحرام والمشتبه المباح، قولاً، وفعلاً، وحالاً، وخيالاً، واعتقاداً.. لتحصل له الطهارة الصورية والمعنوية، وهي شرط العبادة، وليترتب أثر على العبادة، ولا تكون محض صورية. الأنوار النعمانية: 3/ 341